عرض مشاركة واحدة
قديم 06-01-2014, 07:19 PM   #3


فوتون غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1837
 تاريخ التسجيل :  Mar 2007
 أخر زيارة : 10-24-2014 (08:58 PM)
 المشاركات : 203 [ + ]
 التقييم :  16
لوني المفضل : Brown
افتراضي





3
حاولت الإعتذار له بأن معدتي تدربت تدريبات مكثفة على الحالات الطارئة مثل هذه، وأنني إجتزت بفضل الل ل هّ أكثر من
دورة تدريبية متقدمة في الداخلية وفي معسكر الإلزامية، تعرضت فيها معدتي لمواد أكثر خطورة من مجرد قعونجات بايتة،
للكن ذلك لا يعني حرماني لبقية حياتي من أن أكون حنكوشا ليهو ضل! طبعا لم يقبل مبرراتي على الإطلاق، بل وضع
الحقيقة شديدة المرارة أمام عيني لأراها.
-يا زول إنت شكلك لي هسي متعود على أكل السودان!
وهذه العبارة ترجمتها أنني لست حنكوشا مثله ولن أكون! وأنني واحد من هؤلاء السودانيين الذين قدر الل ل هّ أن يكون
تصميمهم مختلفا عن تصميم الحناكيش، وأن يكون مشيهم على الأرض مختلفا عن مشي الحناكيش، وأن تكون عفشتهم
الداخلية مختلفة عن عفشة الحناكيش.
شعرت بأن الأشياء عادت إلى حجمها الطبيعي، فحتى إن أتقنت إستخدام الشوكة والسكين فإن معدتي ولل ل هّ الحمد لا تزال
مضادة للرصاص وربما للإسلحة البيولوجية، لا تميز بين سمك نيء محمل بالنزلات المعو ية ولّ ملاح لوبيا بايت ولّ طعمية
ضارباها الشمس، وإنما تدرش أولا وتفرز لاحقا. تذكرت شابين أشرفا على إحدى دوراتنا التدريبية في الداخلية، ربما يكونا
الشخصين الحايزين على براءة إختراع بوش الفاصوليا! حيث إنها كانت المرة الاولى التي أعرف فيها أن الفاصوليا يمكن
طبخها كبوش، ولل ل هّ في خلقه شؤون! كانت فتة الفاصوليا فرصة طيبة لطلاب الأحياء، حيث كانوا يتنافسون على تصنيف
المخلوقات الصغيرة الغريبة التي نجدها في الفتة، فيحاولون تحديد إسمها اللاتيني وتصنيفها العلمي في مملكة الأحياء. لا أحد
غير اللهّ وأصحاب الكافتيريا يعرف ما يلج في قدرة بوش الفاصوليا الضخمة، والتي كانت تلعب بعد المغرب في خانة قدرة
الفول دون أن تغير المكياج أو رقم الفنيلة!
تبخرت أحلامي، أقنعت نفسي بإن الحنكشة قضاء مثل الرزق والنجاح، وأن اللهّ إن لم يكتبها لي فلا راد لقضائه ولا معقب
لحكمه. الحياة هكذا طبيعتها، إذا أعطتك شيئا باليمين سرعان ما أخذته منك بيديها الأثنتين (لأنك بتكون كنكشت فيهو).
تداعت في تلك اللحظات الحزينة الآم أخرى كنت أحاول تناسيها، تذكرت حين واجهت الشتاء في أوربا لأول مرة. بطبيعة
الحال تذكرت الجلسرين لسد العراميص والفازلين للتلييس من الخارج كما هي العادة في السودان الشقيق، ضحكت في نفسي
وقلت "الحاجات دي لي ناس السودان المساكين، يا زول الشتاء هنا حاجة تانية والزول بطبيعة الحال ح يرتفع لمستوى ناس
هنا". عشت على هذا التوقع لوقت طو يل وأنا مسرور، كنت ألمح بطرف عيني غباش في يديّ ورجليّ، فأطمئن نفسي وأقول
أنني قد أكثرت في إستخدام الصابون "غبشة شنو هنا كمان؟ إنت قايلو ده برد السودان!” إلى أن تاكد الخبر بعد حين،
تشققت يدي حتى أصبحت جروحها تسيل دما, وأنا لا زلت غير مصدق "كيف الكلام ده؟ هسي عليك اللهّ البلد دي كلها



4
حصل شفت ليك فيها فتيل جلسرين؟ الناس ديل كلهم فيهم زول يدينو إتشققت؟ الكلام ده كيف؟جلدي ده شغال بي
توقيت قنب الحلاوين ولّ شنو؟ أنا ما هداهو قاعد مع الناس ديل وببرد بي بردهم زاتو, جلدي فهمو شنو يعني؟"
المهم توصلت في النهاية إلى أنها لا بد أن تكون حساسية أو شيء من هذا القبيل, ولا بد أنها ستزول بعد أيام قليلة, لأنه لا
يعقل أن كل هؤلاء الناس لا يتشققون وأنا الوحيد الذي يتشقق إلى درجة الدماء والبرد الذي نبرده واحد! ظللت أتابع
الأمر بقلق، أحاول أن أختصر السلام على الناس حتى لا ينتبهوا فيسألونني عمّا أصاب يدي من جروح، وأحرص أن ألبس
شرابات طول الوقت حتى لا يرى أحد قدمي. “هسي الناس ديل يقولوا علي شنو؟ زميلي في السكن ده لو شافني أتمسح
بالجلسرين يقول شنو؟ خاصة وإنو ما سوداني ولازم أقعد أشرح ليهو يعني شنو شقيق". المهم أن الشتاء الأول مر ببعض
المعاناة، في نهاياته أصبحت أجد صعوبة في الإمساك بالقلم من تيبس اليدين والجروح العميقة، للكن كل ذلك كان أهون
من أن أصدق إني لا زلت كما كنت في السودان، لا بد لي من الجلسرين لسد العراميص. في العام التالي لم أقاوم كثيرا،
ذهبت وأنا مكسور الخاطر إلى الصيدلية وإشتريت جلسرين أبوكديس. علمت بيني وبين نفسي أن الحنكشة مسألة تحددها
الجينات، مثل اللون البني والعيون العسلية والصلعة خمسة شنكل، فكما إنني رضيت بكل هذه الأشياء السابقة وتكيفت معها
فلا بد أن أتكيف مع حقيقة أنني لست حنكوشا ولا يمكن أن أكون.



 
 توقيع : فوتون

فوتون في حقيقة الأمر شخص بارز الصلعة مفتول الأشناب, مشقق الكدرين من
كثرة إنتعال سفنجته في الحر, لم يعتد علي حمل محفظة للجيب إذ ليس لديه ما يضعه فيها.

التعديل الأخير تم بواسطة ابوعمر ; 06-03-2014 الساعة 06:02 AM

رد مع اقتباس