التميز خلال 24 ساعة
 العضو الأكثر نشاطاً هذا اليوم   الموضوع النشط هذا اليوم   المشرف المميزلهذا اليوم 
قريبا

بقلم :
قريبا
آخر 10 مواضيع
الفقرا العزمو القطر (الكاتـب : - مشاركات : 0 - المشاهدات : 192 - الوقت: 06:16 AM - التاريخ: 01-18-2024)           »          إلى وطني .. لن تأتي العصافيرُ[ (الكاتـب : - مشاركات : 0 - المشاهدات : 615 - الوقت: 06:16 PM - التاريخ: 10-03-2023)           »          كل المواسم يا بلد إطاقَشَن (الكاتـب : - مشاركات : 0 - المشاهدات : 362 - الوقت: 06:11 PM - التاريخ: 10-03-2023)           »          الشوق غلب (الكاتـب : - مشاركات : 0 - المشاهدات : 838 - الوقت: 04:36 AM - التاريخ: 05-29-2023)           »          سلام ومحبة (الكاتـب : - مشاركات : 0 - المشاهدات : 7700 - الوقت: 08:04 AM - التاريخ: 10-03-2022)           »          «الفقرا» شوق وحنين (الكاتـب : - مشاركات : 0 - المشاهدات : 10309 - الوقت: 01:25 PM - التاريخ: 08-13-2022)           »          جمعية الصفوة السودانية تحتفي بتدشين كتاب ذكرياتي مع الشيخ الوالد محمد أحمد حسن بقاعة (الكاتـب : - مشاركات : 0 - المشاهدات : 10244 - الوقت: 03:00 PM - التاريخ: 07-16-2022)           »          يوم الرحول.. (الكاتـب : - مشاركات : 0 - المشاهدات : 6033 - الوقت: 03:36 PM - التاريخ: 07-14-2022)           »          سلام ومحبة (الكاتـب : - مشاركات : 1 - المشاهدات : 6842 - الوقت: 07:16 PM - التاريخ: 05-08-2022)           »          مبروووك (الكاتـب : - آخر مشاركة : - مشاركات : 1 - المشاهدات : 7252 - الوقت: 04:33 AM - التاريخ: 08-15-2021)


الإهداءات


العودة   منتديات الحصاحيصا نت alhasahisa > «۩۞۩-المنتديات العامه-۩۞۩» > «۩۞۩-المنتدى الاسلامى-۩۞۩»

«۩۞۩-المنتدى الاسلامى-۩۞۩» خاص بالمواضيع الدينية المختلفة والسيرة النبوية

إنشاء موضوع جديد  إضافة رد
المنتدى المشاركات الجديدة ردود اليوم شاهدة المشاركات المشاركة التالية
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 08-29-2015, 02:26 PM
ايوب غير متواجد حالياً
لوني المفضل Brown
 رقم العضوية : 7537
 تاريخ التسجيل : Oct 2010
 فترة الأقامة : 4907 يوم
 أخر زيارة : 09-13-2020 (09:25 AM)
 المشاركات : 3,103 [ + ]
 التقييم : 27
 معدل التقييم : ايوب is on a distinguished road
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي ليس دفاعًا عن البخاري وصحيحه"؛




محمود بن أحمد أبو مسلّم


بعدما أخبرني بعض الغيورين عن حلقات تلفزيونية متكررة، وكمٍّ من المقالات كُتب مؤخرًا، وقد قرأتُ بعضه في هجمة تكاد تكون "منظَّمة" على صحيح الإمام البخاري - رحمه الله - وصلت إلى أن بعضهم ذكر أن هناك مُطالَبة شعبية لإلغاء صحيح البخاري! وإنا لله وإنا إليه راجعون!

وذكروا في حلقاتهم ومقالاتهم بعض الشبهات - بزعمهم هم - أما الصحيح فليس فيه شبهات - ولله الحمد - بل الشبهات عليهم ترد.

وطلبوا ردًّا على كل ما ذكروه من انتقاصات في الصحيح؛ لاشتباه بعضها على الناس، وبحيث يكون الرد لكل حديث في مقال على حِدَة، فكتبتُ على صفحتي في مواقع التواصل الاجتماعي بعضَ الردود، ولما لاقتِ استحسانًا قررت أن أنشرَها على مستوى أكبر؛ لعلَّ الناس تَنتفِع بها إن شاء الله.


وقد سميتُ هذه المقالات: "ليس دفاعًا عن البخاري وصحيحه"؛ وذلك لأن البخاري وصحيحِه لا يحتاجان في الحقيقة أي دفاع، إنما المسألة بالنسبة للدعاة والعلماء: إزالة لبس وقع فيه البعض، وتصحيح معتقد، أو إقامة حُجة!


فالأمة تلقَّت الصحيح بالقَبول منذ كتابته من أكثر من ألف عام إلى يومنا هذا، وما عرف أن أحدًا طالب بحَجبِ الصحيح أو إلغائه أو حذف أحاديث منه أو غير ذلك من مطالب هي في الحقيقة "شاذَّة" ومتعمَّدة.

لذلك، قبل أن نجيب على أوهام الزاعمين والمنتقصين لأحاديث صحيح الإمام البخاري، نود أن نقدم بمقدمة مهمَّة، وهي سوء الفهم عند كثير من الناس عن كتاب الإمام البخاري، وليُعلَم ابتداء أن العلماء وأهل العلم لا "يخترعون" من عند أنفسهم دينًا جديدًا، وإنما يقتصر دورهم على إرشاد الناس إلى "الطريق الصحيح" الذي مشى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ورائه السلف الصالح.




رد مع اقتباس
قديم 08-29-2015, 02:28 PM   #2


الصورة الرمزية ايوب
ايوب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7537
 تاريخ التسجيل :  Oct 2010
 أخر زيارة : 09-13-2020 (09:25 AM)
 المشاركات : 3,103 [ + ]
 التقييم :  27
لوني المفضل : Brown
افتراضي



فقط هم - أي العلماء - يعرفون الطريق وعلاماته المميزة الصحيحة التي يستطيعون من خلالها أن يُرشدوا الناس إلى الطريق.

و ليس دورهم أبدًا أن يمهِّدوا لهم طريقًا جديدًا، ولا موازيًا، ولا قاطعًا، ويمكنك أن تسترشد لطريق الرسول صلى الله عليه وسلم بأفضل وأوضح خريطة على الإطلاق، ألا وهي: "صحيح الإمام البخاري".


سوء الفهم الأول:

"البخاري هو واضع أو مؤلف هذه الأحاديث":

وهذا إشكال ضخم في الحقيقة من جهتين:


الأول: ضحالة الثقافة والمعرفة للتراث الإسلامي العِلمي عامة.

الثاني: الجهل بقواعد علم الحديث خاصة.

والحقيقة التي يجب أن يفهمها الجميع جيدًا أن الإمام البخاري لم يأتِ بهذه الأحاديث من كيسِه، ولا ألَّفها، ولا انفرد بها.
هذه الأحاديث الموجودة عند الإمام البخاري في صحيحه موجودة بنصها في دواوين العلماء الأخرى مثل: صحيح مسلم، وكتاب الترمذي، وأبي داود، وسنن النسائي، وابن ماجه، ومسند أحمد، وإسحاق بن راهويه، ومصنَّف ابن أبي شيبة، ومصنَّف عبدالرزاق، والمئات أو الآلاف من المصنَّفات الحديثية التي أُلِّفت في عصر البخاري أو قبله أو بعده.
يعني أن البخاري "كعالم للحديث" شارك زملاء له في رواية نفس الأحاديث التي أخرجها هو في صحيحه، ولم يأت هو بجديد لم يُخرِّجوه هم في كتبهم، بل قد قال البخاري: "صنفتُ الصحيح في ست عشرة سنة، وخرَّجته من ستِّمائة ألف حديث، وجعلته حُجَّةً فيما بيني وبين الله"، وقال: "صنفتُ كتابي الجامع في المسجد الحرام، وما أدخلتُ فيه حديثًا حتى استخرتُ الله تعالى، وصلَّيتُ ركعتين، وتيقَّنتُ صحته"، بل في رواية: "ما وضعت في كتاب الصحيح حديثًا إلا اغتسلتُ قبل ذلك، وصليت ركعتين"، وصحَّ عنه أيضًا أنه لم يضع كل ما صحَّ عنده من أحاديث في كتابه الصحيح.


 

رد مع اقتباس
قديم 08-29-2015, 02:29 PM   #3


الصورة الرمزية ايوب
ايوب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7537
 تاريخ التسجيل :  Oct 2010
 أخر زيارة : 09-13-2020 (09:25 AM)
 المشاركات : 3,103 [ + ]
 التقييم :  27
لوني المفضل : Brown
افتراضي



إذًا ما فائدة كتاب البخاري على غيره من الكتب؟


والجواب: أن عبقرية البخاري ظهرت في ملمحَين أساسيين؛ الأول: هو انتقاؤه لأحاديث كتابه، واختيارها بعناية فائقة، في زمن انتشرت فيه الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانتشر نقَلتُها "الرواة"، وكان فيهم الكذاب والصادق، فكان البخاري من هؤلاء العلماء الراسخين الذين تصدوا للكذابين على رسول الله، وبيَّن حال الرواة من ضعف أو قوة، ثم وضع البخاري كتابًا مختصرًا جامعًا لما صحَّ من سُنَّة رسول الله في جميع أحواله ورُتَبِه، وبوَّبه تبويبًا بديعًا، وهذا هو الملمح الثاني من عبقريته في هذا الكتاب بعد الجمع لما صحَّ واتَّفق عليه العلماء.



سبق كتابَ البخاريِّ كتابُ الإمام مالك "الموطأ"، وهو أيضًا كتاب جمَع بعضًا من سُنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو كتاب أصل في السنَّة والفقه ومذهب المالكية.



و هناك مصنفات في الأحاديث سبقَت كتاب البخاري؛ كمسند إسحاق بن راهويه وغيره، لكن البخاري كان أول من صنَّف كتابًا بهذا الشكل وهذه الطريقة العلمية المتقَنة التي ثبَتَ عليها من أول الكتاب إلى آخره بمنهج رصين، جعل كل من ألَّف بعده إما مقلدًا له، أو مُستفيدًا به.



وأما كتابه "التاريخ الكبير" الذي جمع فيه حال الرواة، فهو بديع جدًّا، وكل من ألف في علم الرجال أو صنف في الرواة إنما هم عيال على كتاب البخاري "التاريخ الكبير".



المهم في هذه النقطة، والذي يهمني أن يفهمه الناس هو أن البخاري لم يجلس في شرفتِه يَحتسي قهوتَه وينظر في السماء وفي يده قلَمٌ وأخذ يؤلف أحاديث كتابه الصحيح، بل البخاري أخرج الأحاديث التي اتفق على صحتها أهل العلم في عصره من جهابذة الرواة، وكانت عبقرية البخاري في انتقاء الأحاديث من بين مئات الألوف من الأحاديث، ثم حسن تبويبها ووضعها في كتاب مختصر ليبيِّن للناس أصح ما عُرف عن رسول الله من سنن وآداب.


 

رد مع اقتباس
قديم 08-29-2015, 02:30 PM   #4


الصورة الرمزية ايوب
ايوب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7537
 تاريخ التسجيل :  Oct 2010
 أخر زيارة : 09-13-2020 (09:25 AM)
 المشاركات : 3,103 [ + ]
 التقييم :  27
لوني المفضل : Brown
افتراضي



سوء الفهم الثاني "صحيح البخاري فوق النقد":
بيَّنا في المقال السابق سوءَ الفهم الأول عن البخاري وصحيحه، وأن البخاري لم يأته إلهام بهذه الأحاديث، ولا ألَّفها من بنات أفكاره، وإنما ما أخرجه البخاري في صحيحه من أحاديث هو ما اتفق عليه علماء عصره من أئمة الحديث على صحة هذه الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.


ومن المفاهيم المغلوطة أيضًا عند الناس عن الصحيح أنه فوق مستوى النقد!


وهذا غير سديد، ولم يَقُلْ أي منتسب للعلم على مر العصور أن كتاب البخاري ممنوع من النقد، هذا ما لم يحدث؛ بل ما حدث هو العكس.


هناك أحاديث انتُقدتْ على البخاري لماذا أخرجها في صحيحه، ولعل أشهرها حديث المعراج من رواية شريك بن عبدالله بن أبي نمر عن أنس رضي الله عنه، وستأتي معنا إن شاء الله في مقال منفصل.


وقد تتبعه الدارقطني - رحمه الله - في كتابه "التتبع" في عدد من الأحاديث من ناحية "الصنعة" الحديثية.


نعم، ليس في البخاري حديث ضعيف - إلا ثلاثة أحاديث أو أربعة - ربما يضعِّفُها بعض أهل العلم من جهة إسنادها، والبعض الآخر يراها صحيحة كسائر الصحيح.


فالمراد أن كتاب البخاري يتعرَّض للنقد كسائر أي جهد بشري، لكنه قليل بالنسبة لحجم كتابه ونوعية النقد، وإلى يومنا هذا طلبة العلم ربما يرَوْن أن إخراج البخاري لهذه الرواية وعدم إخراجه لتلك فيها نوع من القصور، وأن إخراجه لبعض الرواة دون بعض غير سديد،أو أنه صحح أحاديث خارج كتابه الصحيح ولم يضعها في كتابه، لكن الأخير هذا هو اعتَذَر عنه أنه لم يضع كل حديث صحيح عنده في هذا الكتاب.


ليس هذا فحسب، بل إن من أهل العلم من قدَّم كتاب صحيح مسلم على كتاب البخاري، ومنهم من قدم كتاب أبي داود المعروف بالسنن، ومنهم كذلك من قدم سنن الترمذي عليه.


وهؤلاء - وإن كانوا قليلاً - لكن المهم أنه لم يحدث "عصمة" لكتاب البخاري كما يزعم من لا علم عنده.

فكتاب البخاري عمل بشري، فيه قصور، لكن في الجملة يعتبر هو أصح كتاب على وجه الأرض وضع ليُبين سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم باتفاق أغلب علماء العصور إلى وقتنا هذا
.


 

رد مع اقتباس
قديم 08-29-2015, 02:30 PM   #5


الصورة الرمزية ايوب
ايوب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7537
 تاريخ التسجيل :  Oct 2010
 أخر زيارة : 09-13-2020 (09:25 AM)
 المشاركات : 3,103 [ + ]
 التقييم :  27
لوني المفضل : Brown
افتراضي



فما انتُقِد على البخاري من أحاديث، جلها انتقادات فنية (انتقادات لأسانيد الحديث وحال رواتها)، وليست انتقادات لأصل الحديث (الرواية ذاتها)؛ فكل ما في كتاب البخاري من متون هو صحيح، وهذا ما استقرَّ عليه العلماء منذ زمن طويل، والحمد لله رب العالمين.


وأما سوء الفهم الثالث: أن من يطعن في أحاديث كتاب البخاري (وكما ذكرنا أن ما يوجد في البخاري يوجد في أغلب دواوين السنة) فهو في الحقيقة يطعن في الدين بطريق مباشر أو غير مباشر، عن قصد أو دون قصد، لماذا؟


لأن التشكيك في صحة الحديث هو في الحقيقة تشكيك في صحة إسناد الحديث (سلسلة الرجال الذين رووا الحديث بداية من الصحابي الذي رواه عن رسول الله، ثم التابعي الذي رواه عن الصحابي، ثم الذي بعده، ثم البخاري أو الرواة عامة).

وهذا الإسناد (المُشكَّك فيه) قدر روي به عشرات الأحاديث أو مئات في الصوم والصلاة والزكاة... إلخ.

وهؤلاء الرجال الذين هم رجال الإسناد رَوَوْا الآلاف من الأحاديث، فلو طعنَّا في روايتهم لحديث واحد، فما المانع أن نطعن في روايتهم لباقي الأحاديث، وتضيع السُّنة، ويضيع الدين؟.


مثال:
هذا الإسناد مثلاً في البخاري: الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، رُوِي به حديث: أن رسول الله نحر قبل أن يحلق، وأمر أصحابه بذلك. وهذا أصل في مناسك الحج أن النحر قبل الحلق.


هذا الإسناد: (الزهري، عن عروة، عن المسور رضي الله عنه) هو هو إسناد رواية خروج النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية، وحدوث صلح الحديبية في حديث طويل مشهور، وفيه سب أبي بكر رضي الله عنه لعروة بن مسعود (الذي كان كافرًا وقتها، وصدَّ المسلمين عن بيت الله، واتَّهَمَ - ضمنًا - المسلمين بالجُبن، وأنهم سيفرُّون عن رسول الله، وسيخذلونه، فلذلك قال له أبو بكر هذه الكلمة الشديدة: "امصص بَظْرَ اللات"، وسنتعرض لهذا الموقف في حديث منفصل إن شاء الله).


الشاهد: أن من يطعن في هذا الحديث، وهذا الإسناد بالتبعية، فإنه يطعن في حديث الحج، ولو قال: بل حديث الحج صحيح، وحديث الحديبية كذب، فقد اتبع هواه وحكَّمه في دين الله، ولم يعد الأمر لا علميًّا ولا منهجيًّا ولا يحزنون، وأصبح الأمر أن من أعجبه حديثٌ قَبِلَه، ومن لم يعجبه كذَّبه وردَّه، وقال الله: ***64831; أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ***64830; [الجاثية: 23].


 

رد مع اقتباس
قديم 08-29-2015, 02:31 PM   #6


الصورة الرمزية ايوب
ايوب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7537
 تاريخ التسجيل :  Oct 2010
 أخر زيارة : 09-13-2020 (09:25 AM)
 المشاركات : 3,103 [ + ]
 التقييم :  27
لوني المفضل : Brown
افتراضي



فمن يُشكِّكُ في حديث صحيح، فإنه يطعن في إسناده (الرجال الذين نقلوا الحديث) أولاً، وأولهم الصحابي (أو رسول الله حسب وجهة نظر الطاعن ومعتقده)، ويلزمه إن طعن في إسناد رواية ما، وزعم كذبها، فيلزمُه أن يُكذِّبَ كل رواية نقلت بهذا الإسناد، يعني تكون الخلاصة هدم السنة والدين معًا!


فأنت لا تعرف كيف تصلي، ولا تصوم، ولا تزكِّي، ولا تحج، ولا تعتمر، ولا تصلي الجنازة، ولا أحكام القصاص، ولا كثيرًا من أحكام المواريث، ولا أحكام الطلاق والزواج، ولا...، ولا... ولا... - إلا بالسنة.


وحتى لا ندخل في كثير من التفاصيل العلمية، دعونا نأخذ الآن حديثًا حديثًا مما (لا يعجب وليس على هوى البعض) سواء من المنتسبين للعلم أو من أصحاب الأهواء أو المنافقين أو غيرهم؛ لنَردَّ على مزاعم الزاعمين والحاقدين والمغيَّبين، وبالله التوفيق.


وأول حديث نقف معه (ليس) بحديث؛ إنما هو أثر موقوف - أي: من كلام الصحابي - وهو أثر عمرو بن ميمون الذي أخرجه البخاري في كتاب مناقب الأنصار، باب أيام الجاهلية، قال: "رأيت في الجاهلية قِرْدَةً اجتمع عليها قِرَدَةٌ قد زنتْ، فرجموها، فرجمتُها معهم".

هذ الأثر الذي تلف الدنيا وراءه وكأنه وصمة عار في جبين الصحيح!

لكن دعنا نتناقش بموضوعية مع هؤلاء:
أولاً: لماذا أخرج البخاري هذا الأثر في كتابه؟
اعلم أنه من أصول القراءة في كتاب البخاري، أن تفهم جيدًا أن البخاري لم يرتب كتابه عشوائيًّا، ولا يصلح أصلاً أن يشرحه أو يفسره إلا طالب علم متخصص؛ لأن البخاري يرتب الأحاديث لغرض أو لهدف لا يفهمه إلا متمرس؛ فالبخاري مثلاً: ذكر أبواب الحج قبل أبواب الصيام، لماذا؟

لأنه اعتمد رواية الحديث: ((بُنِيَ الإسلام على خمس...)) إلخ، وفيها: ((والحج وصوم رمضان))، فقدم معظم الرواة الحج على الصوم، وليس الصوم ثم الحج آخرًا كما يعتقد الكثير من الناس، فلما رتب البخاري كتابه وضع أبواب الحج قبل أبواب الصيام، هذا مثال.

وهذا الأثر (يعترضون) عليه لمجرد أن الرجل وصف شيئًا رآه بعينه يخبر به عن أيام جاهليته، وهذا هو مراد البخاري، وهو من عبقريته في التبويب ومن فقه عقله، فإذا نظرت في الأحاديث التي قبل هذا الأثر، لوجدتها كلها صفات للناس وما كانوا يفعلونه قبل الإسلام.

فقبل هذا الأثر كان قول ابن عباس رضي الله عنه: "من طاف بالبيت فليطف من وراء الحجر، ولا تقولوا: الحَطِيم؛ فإن الرجل في الجاهلية كان يحلف فيلقي سوطه أو نعله أو قوسه".

وقبله قول عائشة رضي الله عنها، قالت: " كان يوم بعاث يومًا قدمه الله لرسوله صلى الله عليه وسلم، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد افترَق ملؤهم، وقُتِّلتْ سَرَوَاتهم وجُرِّحوا، قدَّمه الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في دخولهم في الإسلام".

فمراد البخاري هو أن يبين للقارئ ما كان عليه أهل هذا الزمان في الجاهلية من أحوال وأخلاق قبل مجيء الإسلام.

تتوقع إذًا ما هي الأبواب التالية لأبواب (أيام الجاهلية)؟
الذي فهم ما قلت، سيعرف حتمًا أنها أبواب "مبعث النبي صلى الله عليه وسلم" ومجيء الإسلام، وهذا بالفعل ما فعله البخاري، بعد أن انتهى من وصف أيام الجاهلية؛ ليفهم القارئ ما كان عليه الناس، وما بُعث به محمد صلى الله عليه وسلم، وما جاء به الإسلام من أشياء خالف فيها ما كانت عليه الجاهلية، وأشياء أخرى أقرها!

ثانيًا: هل يوجد في الأثر ما يستنكر إذًا؟
لا، ليس فيه شيء إطلاقًا مما يستنكر، والبخاري أخرج الأثر مختصرًا، والحكاية أخرجها الإسماعيلي مطولة مفصلة، يحكي فيها عمرو (مراقبته) لمجموعة قرود (والقرود مشهورة موجودة بالمملكة إلى الآن)، وكيف أن قردة زنت بقرد آخر غير زوجها الذي كانت تنام بجواره، فشمها زوجها بعد، فعلم أنها خانته فصاح بها، فجاء قطيع القرود فرموها بالحجارة، كذا باختصار.

والبخاري لم يخرج هذه القصة المطولة، إنما أخرج فقط المختصر؛ لسبب فني، وهو أن إسناد المختصر أصح من المطول.

المهم، ليس مراد البخاري إذًا الاستدلال على حكم الرجم في الزنا بفعل القرود!

ولو وضع هذا الأثر في أبواب الزنا، لكان أهل العلم أول المطالبين بنقله منها؛ فالقرود غير مكلَّفة، ولا يصح الاستدلال بمثل ذلك؛ فيكون عبثًا؛ وإنما كان مراد البخاري الكلمة الأخيرة في الأثر لمن تأمَّل، وهي:
"فرجموها فرجمتُها معهم".


 

رد مع اقتباس
قديم 08-29-2015, 02:32 PM   #7


الصورة الرمزية ايوب
ايوب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7537
 تاريخ التسجيل :  Oct 2010
 أخر زيارة : 09-13-2020 (09:25 AM)
 المشاركات : 3,103 [ + ]
 التقييم :  27
لوني المفضل : Brown
افتراضي



فهذا فكر جاهلي بحت؛ إذ كيف لمسلم - فضلًا عن عاقل - أن يُقحم نفسه في تصرف الحيوانات وسلوكها ليكون كواحد منهم؟!

هذا ليس من العقل في شيء، ولا من الإسلام في شيء.

وكأن البخاري يريد أن يقول: "لقد كانوا في الجاهلية يُقحمون أنفسهم حتى في شؤون الحيوان، والإسلام لم يأمر بهذا، والإسلام كرَّم الإنسان ونزَّهه عن هذه الأفعال".

هذا هو مراد البخاري في هذا الباب تحديدًا، ليس له أي غرض آخر، وبالأخص الاستدلال بهذا الأثر على حكم شرعي.

من يقرأ كتاب البخاري ويفهمه، حين يسمع منتقديه لن يكون ردُّه سوى الابتسام بسخرية، لكننا نوضح للمسلمين الغيورين على دينهم ومن يريد أن يتعلم!

ثالثًا: هل هناك شيء غريب في هذه القصة؟
لا، إطلاقًا، وكلام عمرو رضي الله عنه مطابق لما نراه كل يوم على قناة Nat Geo Wild مثلًا، فالقردة بالفعل تعيش في مجموعات تسمى Troops، وتتصرف باجتماعية في تحصيل الغذاء والنوم والدفاع عن القطيع من الأعداء والتزاوج، ولكل قرد أسرته، وهناك فيلم مشهور أيضًا كيف يمكن أن يتصرف هذا القطيع بفظاظة مع البشر في فيلم Monkey Thieves، وهو فيلم مشهور يصور كيف تقتحم القرود المدن في الهند لسرقة الأكل وغيره بشكل منظم وذكي، فإن كانوا يفعلون مثل هذه التصرفات، ومعلوم أن قابلية القرد للتعلم والتقليد كبيرة؛ مما يدل على ذكائه، فما المشكلة لو ثبت مثل حكاية عمرو؟ ما الذي يمنع؟!

والكبير من هذه القرود Gorillaz أذكى وأذكى.

لكن المهم في كل ذلك لو صدر من مجموعة من القرود تصرُّفٌ ما يشبه ما حكى عمرو في روايته، لم يكن ذلك بالغريب، فلقد رأينا الأغرب في عالم الحيوان، ومن يشاهد قنوات الناشيونال جيوجرافيك وغيرها، يرى العجب العجاب في عالم الحيوان.

أفإن جاء الوصف من الغرب وعلمائه أحبَبْناه وصدَّقناه وتداولناه، وإذا جاء في كتب تراثنا قبل 1400 سنة أنكرناه وكذَّبناه؟!
إن هي إلا فتنة أضرَّت بقوم، وثبت فيها قوم فزادهم ربهم إيمانًا!

رابعًا: هل هناك من أهل العلم من استنكر هذه القصة؟
والجواب أن نعم، وليس فيها ما يستنكر، لكن استنكرها ابن عبدالبر، وقال: ربما يكون رأى عمرو قومًا من الجن في صورة قردة؛ لأن القردة غير مكلفة برجم الزاني، وقد أجبنا عن ذلك، وأما كونهم من الجن، فهذا تأويل منه بعيد، وغير ضروري لما وضحنا.

ومِن أهل العلم قديمًا من رأى أن هذه الرواية مقحمة في البخاري وليست موجودة في كل النسخ المعتمدة، وهذا ليس بسديد أيضًا، فهي موجودة في أصح نسخ البخاري، ولله الحمد.


 

رد مع اقتباس
قديم 08-29-2015, 02:33 PM   #8


الصورة الرمزية ايوب
ايوب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7537
 تاريخ التسجيل :  Oct 2010
 أخر زيارة : 09-13-2020 (09:25 AM)
 المشاركات : 3,103 [ + ]
 التقييم :  27
لوني المفضل : Brown
افتراضي



والمهم، أنه ليس في القصة ما يُستنكَر أصلًا، وقد بينا لماذا وضع البخاري هذه "القصة" في كتابه، ووجه استدلاله بها.

فالقصة ليست "حدوتة شاذة"، وليست هي مما ذهب إليه البعض من استدلال البخاري على حكم الرجم، وليست هي من باب (الفانتازيا) الفكرية أو حواديت (ألف ليلة)، وليست هي إلا:
توضيح لتصرُّف البشر أيام الجاهلية قبل الإسلام، وكيف أن الإسلام هذَّب تصرُّفات البشر وسواها..

إن لم تقتنع بكل ذلك، فاذهب واشترك في قناتي National Geographic Animal Planet، وسترى أعاجيب وأسرارَ خَلْق ربك الذي قال: ***64831; وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ***64830; [الأنعام: 38] أمم أمثالكم، يعيشون ويتعايشون، ولهم قوانينهم وحياتهم، ويسبحون ربهم أيضًا، قال ربُّك: ***64831; تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ***64830; [الإسراء: 44].




حديث المعراج


ومما أثاروه وانتقدوه على الصحيح حديثُ المعراج، الذي أخرجه البخاري من طريق شريك بن أبي نمر (المعروف بشريك القاضي)، عن أنس رضي الله عنه، وقد ذكرت في مقدمة المقالات أن هذه الرواية مما انتقدها بعض الحفاظ وأهل العلم على الإمام البخاري أصلاً وإخراجها في كتابه؛ لأنها فيها بضع عشرة مخالفة للأحاديث التي هي أصح من رواية شريك، قالوا: فشريك القاضي تفرد بذكر أحداث في القصة مخالِفة لما رواه مَن هو أوثق منه.

ومن هذه المآخذ - بزعمهم، وهي قطعة من رواية شريك -: "ثُمَّ عَلاَ بِهِ فَوْقَ ذَلِكَ بِمَا لاَ يَعْلَمُهُ إلاَّ اللَّهُ، حَتَّى جَاءَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى، وَدَنَا لِلْجَبَّارِ رَبِّ الْعِزَّةِ، فَتَدَلَّى، حَتَّى كَانَ مِنْهُ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، فَأَوْحَى اللَّهُ فِيمَا أَوْحَى إِلَيْهِ خَمْسِينَ صَلاَةً عَلَى أُمَّتِكَ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ".... إلخ الحديث.

قالوا: كيف يكون "التدلّي" من الله عز وجلّ؟! هذا غير معقول، ومستحيل في حق ربنا، وهذا التساؤل كان مما أخذه بعض أهل العلم على هذه الرواية، أن جعل (شريك) "التدلي" مِن الله عزّ وجلّ، وليس مِن جبريل عليه السلام، كما هو ظاهر الآية في سورة النجم: ***64831; وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى ***64830; [النجم: 7، 8]، وهو قول ابن مسعود، وعائشة، أن الذي تدلى في الآية هو جبريل عليه السلام.

وهذه الرواية أخرجها البخاري في كتاب التوحيد، في آخر الصحيح: "باب قوله: وكلّم الله موسى تكليمًا"، وأخرجها البخاري من طريق سليمان بن بلال، عن شريك بن عبدالله القاضي، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، وقد انتقد أهل الحديث عليه هذه الرواية؛ لما انفرد فيها بألفاظ لم يأتِ بها غيره حسب قولهم، وسنبين أن ذلك خطأ، وأنه توبع على هذه الرواية، إن شاء الله.

الآن دعني أناقش مع حضرتك هذه المسألة بأسلوب علمي؛ لتقف معي على الفرق بين النقاش العلمي لمثل هذه الأمور وبين مجرد التكذيب، والاتهام، والعجلة، وتقديم العقل على النقل.
أولاً: كما ذكرت لك أن هذه الرواية وهذه اللفظة مما انتقد بعض أهل العلم بالفعل على البخاري إخراجها، ويدلُّك على ذلك أن الإمام مسلمًا لما أخرجها في كتابه الصحيح، أخرج الإسناد فقط، ولم يخرج الحديث وقصة المعراج من طريق شريك، بل قال: "وَسَاقَ الحَدِيثَ بِقِصَّتِهِ نَحْوَ حَدِيثِ ثَابِتٍ البُنَانِيِّ، وَقَدَّمَ فِيهِ شَيْئًا وَأَخَّرَ، وَزَادَ وَنَقَصَ"، فدعنا نتفق أن هذه اللفظة من المختلف فيه قبولاً ورفضًا بين أهل العلم.

ثانيًا: مَن يتكلم في دين الله لا بد أن يكون ملمًّا بأصول اللغة، ووجوه كلام العرب، وهذا ليس معناه الإلمام بالنحو والصرف فحسب، فالنحو والصرف هما أُولى درجات علوم اللغة، أما أصول اللغة، وأصواتها وفنونها، وغريبها وشاذها؛ فعلوم لا يقف عليها إلا متبحر فقيه، ونحن إن كنا لا نستطيع أن نلم بذلك كلّه، لكن من أراد أن يتكلم أو يطلب العلم لا بد أن يبحث على الأقل في معاني الكلمات ومدلولاتها، وكيف كانت دلالتها ووقعها على أسماع العرب، لا على سمعك أنت، فنحن في زمن اندثر فيه التذوق اللغوي، وانقلبت الفِطرة اللغوية رأسًا على عقب، وما كان مستساغًا عند العرب أصبح الآن عيبًا وشتيمة، والعكس بالعكس.


 

رد مع اقتباس
قديم 08-29-2015, 02:34 PM   #9


الصورة الرمزية ايوب
ايوب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7537
 تاريخ التسجيل :  Oct 2010
 أخر زيارة : 09-13-2020 (09:25 AM)
 المشاركات : 3,103 [ + ]
 التقييم :  27
لوني المفضل : Brown
افتراضي



وما يهمنا ههنا هو معنى التدلي.
والتدلية هي إرسال الشيء من علو إلى سفل، مأخوذ من تدلية الدلو؛ أي: إرساله في البئر.

والتدلية هي سبب القرب (الدنو)، فمعنى الآية إذًا هو: ثم تدلى فدنا؛ أي: فقرب، والعرب تقدم وتؤخر الألفاظ إن كانت بمعنى واحد، أو لها ارتباط، كما تقول: شتمني فأساء، وأساء فشتمني، فالإساءة والشتم بمعنى، وكما في قوله تعالى: ***64831;اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ***64830; [القمر: 1]، والمعنى: انشق القمر واقتربت الساعة، فالتقديم والتأخير هنا في كلام العرب صحيح، ما دام المعنى واحدًا، أو ارتبطت اللفظتان.

فالدنو والتدلي إذًا بمعنى القرب، وللدقة فالتدلي هو سبب القرب، ولا شيء في ذلك من الناحية اللغوية ولا الشرعية.

ثالثًا: هل يجوز في حق الله التدلي، أو القرب من عباده عمومًا؟
والجواب أنْ نعم، وقد أخبر ربنا عن نفسه سبحانه يوم القيامة: ***64831; هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا***64830; [الأنعام: 158]، وقال سبحانه: ***64831; هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ ***64830; [البقرة: 210]، وقال عز وجل: ***64831; وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ***64830; [الفجر: 22]، وفي الدنيا - أيضًا -، كما جاء في دواوين السنة؛ الصحيحين، وغيرهما، من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟)).

واعلم أن أهل السنة لا يكيفون هذه الصفات من الرب تعالى، يعني: لا يشرحونها ولا يعرِّفون "كيفية النزول من الله سبحانه"، وإنما يقولون: ينزل نزولاً على وجه يليق بجلاله وكماله سبحانه، فهم يثبتون الصفة، ولا يؤولونها أو ينفونها، فلا يقولون: المراد بالنزول نزول رحمة الله مثلاً، ولا يشبِّهونها بشيء من نزول البشر ولا غيرهم، بل يقولون كما قال الإمام مالك في كلمته الشهيرة لما سئل عن معنى الاستواء على العرش في قوله: ***64831; الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ***64830; [طه: 5]، قال مالك بن أنس رحمة الله عليه: "الاستواء معلوم (يعني نعرف معناه في لغة العرب، ونعرف ثبوته لله عز وجل)، والكيف مجهول (يعني لا نقدر أن نعرف كيفيته من الله سبحانه) والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. انتهى

فالشاهد من هذا كله أن القرب من الله عز وجل جائز، قربًا يليق به، وبجلاله وكماله عزّ وجلّ.

رابعًا: من تكلم في رواية شريك القاضي وأعلَّها، من العلماء والحفاظ، قالوا: إن شريكًا ساء حفظه في آخر عمره، وهذه الرواية تفرد بها عن أنس، يعني: لم يأتِ أحد بمثل هذه الرواية من جهة ألفاظها، وإلا فالقصة محفوظة صحيحة من وجوه أخرى، عن أنس، وعن صحابة آخرين.


 

رد مع اقتباس
قديم 08-29-2015, 02:34 PM   #10


الصورة الرمزية ايوب
ايوب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7537
 تاريخ التسجيل :  Oct 2010
 أخر زيارة : 09-13-2020 (09:25 AM)
 المشاركات : 3,103 [ + ]
 التقييم :  27
لوني المفضل : Brown
افتراضي



والسؤال الآن: هل فعلاً تفرَّد شريك بهذه الرواية عن أنس؟! والجواب أنْ لا - وراجع كتابنا "الإسراء والمعراج دراسة حديثية" هنا على شبكة الألوكة -، فلقد تابع شريكًا (يعني رواها بمثل روايته) عن أنس راوٍ يُقال له: "كثير بن خنيس"، كما في كتاب التوحيد لابن خزيمة، وكثيرٌ هذا صدوقٌ، مستقيم الحديث، وكذلك تابعهما راوٍ اسمه: "ميمون بن سياه"، كما في كتاب تهذيب الآثار للطبري، وإسناد الرواية ضعيف، لكنْ ميمون لا بأس به في المتابعات والشواهد، واستشهد به البخاري في صحيحه، يعني أن شريكًا لم يتفرد بالرواية، بل ربما يكون كلامه أن التدلي من الله عزّ وجلّ صحيحًا أيضًا، وأن كلام بعض الحفاظ أنه تفرد بها غير سديد، نعم، هناك ألفاظ في الرواية يمكن القطع أن شريكًا أخطأ فيها؛ مثل ذكره أن نهر الكوثر في السماء الدنيا، والصحيح أنه في الجنة، لكن ما يُهمنا في هذا الأمر أن هناك راويًا واحدًا صدوقًا (على الأقل) قد تابعه على كون التدلي كان من الله عز وجل.

خامسًا: ستقول لي الآن: قد صح عن عائشة وابن مسعود رضي الله عنهما أنهما فسرا التدلي في الآية في سورة النجم أنه كان من جبريل عليه السلام، وأنا أقول لك: قد صحّ - أيضًا - عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في قوله تعالى: ***64831; وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى ***64830; [النجم: 13] قَالَ: "دَنَا مِنْهُ رَبُّهُ عزّ وجلّ مَرَّتَيْنِ"، كما ذكره الذهبي في العلو له، وعزاه ابن حجر للبيهقي بعد أن حسَّن إسناده.

وكذلك أن محمدًا صلى الله عليه وسلم لم يرَ ربه أصلاً ليلة المعراج، وهذا صحيح، لا شك فيه، ونحن لا ننازع في أن محمدًا صلى الله عليه وسلم رأى ربه، فالصحيح أنه لم يره.

ولا يلزم من كون رب العزة سبحانه دنا فتدلى أن يكون محمد رآه؛ لأنه قال: ***64831; فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ***64830; [النجم: 9]، وبينهما حجاب النور والعظمة والكبرياء.

ويمكن كذلك أن نستنبط من الحديث أن من دنا هو الله عزّ وجلّ؛ لأن جبريل كان مصاحبًا لمحمد عليه الصلاة والسلام طَوال الرحلة، فكان قريبًا منه أصلاً، فما وجه أن يذكر في الآية أنه قرب منه؟!

والمقصود أن من ذهب إلى أن التدلي إنما هو من الله سبحانه، ومِن ثَمّ يُثبت له هذه الصفة، فلا نكران لسعيه واجتهاده، ومعه وجه من الأدلة اللغوية والشرعية، والله أعلم.

سادسًا: هذا، وقد ناقشت شيخنا محمد حسان - شفاه الله - وحفظه منذ سنين في هذه اللفظة في دروس العقيدة، وكنت أذهب مذهب أن شريكًا قد أخطأ في كون التدلي من الله عز وجلّ، فأخذ الشيخ بيدي، وقال لي ونحن نصعد سُلم المسجد: "طالما ثبتت الصفة عن رب العزة، فأثبتها له"، أو كما قال الشيخ حفظه الله وشفاه وعافاه، آمين.

وهذا هو المقصود، أن من رأى أن هذه اللفظة صحيحة، وأن شريكًا لم يخطئ فيها، فله أن يثبتها، ولا شيء في ذلك، فإثبات الصفات أمر معروف عند أهل السنة ولله الحمد، وقد بينَّا أنهم يثبتون الصفة ولا يكيفونها ولا يؤولونها ليصرفوها عن معناها الحقيقي، ولا يشبهونها بصفات البشر، وقد بينا معنى التدلي عند العرب، وهي كلمة مشهورة حتى في الآثار والأحاديث، ولو استدللنا على ثبوتها عند العرب لسوَّدنا في ذلك صحفًا وأوراقًا كثيرة.

فالخلاصة: يا مَن أنت مِن أهل العلم، أو مِن حملته، أو ممن يتبعون الفريق الأول، إن قلت: إن هذه اللفظة خطأ ولا تثبت، فلا تثريب عليك إن اجتهدت بعلم وفَهم وصلك لهذا، أو اتبعت وقلدت أهل العلم الثقات الذين يقولون بذلك، وإن كنت مع الفريق الثاني أو منه، وأثبتَّ هذه الصفة لله سبحانه، فلا شيء عليك - أيضًا - ولك وجه وحجة في ذلك، المهم ألا تنكر بلا دليل، أو تقدم عقلك في كل كبير وصغير، وتتَّبع هواك فيُضلك عن السبيل.

سابعًا: وكما ذكرنا أن من أهل العلم من استنكر هذه الرواية أصلاً؛ ومنهم: ابن حزم، والخطابي شارح البخاري رحمهما الله، الذي شنع جدًّا في إنكارها، وردّ عليه الحافظ في فتحه، مع تحفظنا على اختياره مذهب التأويل للصفات، فقال في الفتح: "وقَد أَزالَ العُلَماء إِشكاله، فَقالَ القاضِي عِياض فِي الشِّفاء: إِضافَة الدُّنُوّ والقُرب إِلَى الله تَعالَى أَو مِنَ الله، لَيسَ دُنُوّ مَكان ولا قُرب زَمان؛ وإِنَّما هُو بِالنِّسبَةِ إِلَى النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم إِبانَة لِعَظِيمِ مَنزِلَته، وشَرِيف رُتبَته، وبِالنِّسبَةِ إِلَى الله عزّ وجلّ تَأنِيس لِنَبِيِّهِ وإِكرام لَهُ، ويُتَأَوَّل فِيهِ ما قالُوهُ فِي حَدِيث: ((يَنزِل رَبُّنا إِلَى السَّماء))، وكَذا فِي حَدِيث: ((مَن تَقَرَّبَ مِنِّي شِبرًا، تَقَرَّبت مِنهُ ذِراعًا))، وقالَ غَيره: الدُّنُوّ مَجاز عَن القُرب المَعنَوِيّ؛ لإِظهارِ عَظِيم مَنزِلَته عِند رَبّه تَعالَى، والتَّدَلِّي طَلَب زِيادَة القُرب، وقابَ قَوسَينِ بِالنِّسبَةِ إِلَى النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم عِبارَة عَن لُطف المَحَلّ وإِيضاح المَعرِفَة، وبِالنِّسبَةِ إِلَى الله إِجابَة سُؤاله ورَفع دَرَجَته"؛ انتهى، والصحيح أن القرب من الله يُحمَل على ظاهره، ولا يكيف، ولا يشبه، حتى يأتي دليل يدل على أن الدنو المذكور معناه الرحمة، أو هو مجاز عن التأنيس والإكرام للنبي صلّى الله عليه وسلّم، والله أعلم.

ثامنًا وأخيرًا: فها هو النقاش العلمي المنصف، الذي لا يسد باب الاجتهاد، ولا يفتح أبواب الفتن والفساد، ولا يقف أمام تصورات العقل، ولا يتركه فيجمح جماحًا يحجب النقل، وما كان هناك داعٍ لتكذيب كلام، أو اتهام أفهام، ولا رمي ببهتان، وربما لو سألت عالمًا، أو ناقشت متفهمًا، لاختلف رجحان الميزان، واتهم نفسك بالتقصير، وسل ربك الزيادة في العلم، ولا تعجل، فربما خانتك نفسك، وأعمى الشيطان بصرك، ولا تتهم سلفك؛ البخاري، وغيره، واقصد فيهم دائمًا قول ربك:
***64831; وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ***64830; [الحشر: 10].



 
 توقيع : ايوب



لا تأمن الموت في طرف ولا نفس
*** ولـو تـمنعــت بــالحجـاب والحـــرس
وأعـلـم أن ســهــام المــوت نـافـذة
*** فــي كــل مـــدرع مــنـــا ومـتـــــرس




رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
فضل""لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين"" رانيا خضر «۩۞۩-المنتدى الاسلامى-۩۞۩» 700 05-18-2014 03:13 AM
من أصحاب معركة كرري الى لابسي "السيستم" و "الكارينا" منتصر تاج الدين «۩۞۩-منتدى الحصاحيصا الحر-۩۞۩» 4 03-27-2013 05:11 AM
سقوط "الشجره" بعد قرن ونصف من الصمود " مابين التشاؤم والفال " الطيب عبدو «۩۞۩-منتدى الحصاحيصا الحر-۩۞۩» 18 12-21-2010 07:51 PM
جمعيتا " الصحفيين " و" الثقافة والفنون " تحتفلان بالذكرى الـ 20 لرحيل الشاعر محمد عبد عصمت الصادق حماد «۩۞۩-منتدى الادب والثقافة-۩۞۩» 0 09-06-2009 08:44 AM
رسالة "" إلي "" الله "" والبشر ،، من لدن اّدم ،، وقت المغارب «۩۞۩-منتدى الادب والثقافة-۩۞۩» 3 05-20-2008 01:33 PM


الساعة الآن 05:43 AM.


Powered by vBulletin Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
vEhdaa 1.1 by NLP ©2009