مكتبة الاستاذ عفيف اسماعيل

عفيف إسماعيل و أنسنة الكائن و الكون
د. طلال دفع الله

~~ ~~ ~~ ~~
أهم ما يميز عفيف اسماعيل الأنسنة.
الأنسنة كفعل مثابر؛ و لازم حياتي، فلا أحد يستطيع فصل تماشجه في هذه الأنسنة و ليس تماشجه معها، إذ أن الأمر في جوهره تماهٍ بينهما؛ هكذا كما يكون النسيج في طوره فطرةً .
أنسنة الإنسان، ككائن و كوجدان، و أنسنة الأشياء حيّها و جمادها، فلكأنه وُجِد على تضاريس هذا الكوكب الوطن، و في جوهر الحياة لهذه المهمة، إبتداعاً أو إكمالاً أو إتماماً .و لأن هذا ما علمتُه عنه، فهو ذاته _ما علمته عنه، قُرباً و اقتراباً وجودياً فيزيائياً و نفسياً_ هذا الذي علمته هو ما سأعمل
عليه، إقراراً و ليس إستكناهاً لبوح التذوق.
ثم أن ما ستقف مُعَضِّدَةً _ قولي كقائل_ هي كتاباته و التي لا تَنْجَزِءُ إنفصالاً من/عن ذاته.
ما يَحُزني هو إبتدائي مسعايَ هذا بفرضيةِ غيرِ منتبهٍ، أنني أملك كثيرَ مفاتيح لفتح مُدْخِلات أو مُولِجات عوالمه، لتبتسم ضحكتي قبل جلجلتها عليَّ إيقاظاً، ألا أبوابَ ثَمَّةَ تُفتَح لدخول عوالم عفيف ! فهي عوالم مِرحابة و مبذولة.
…… …… …… ……
"حينَ أفاقَ الحوذيُّ
تمتمَ هامساً:
_ حمداً
حمداً
لعناية الإله العالي
الذي
سحقَ ذراعي
و لم
يصب
بأذىً
حِصاني.."
…… …… …… ……
هنا ندخل دوّامة ذهنية بتفسيرٍ ظاهر و آخَر باطِن:
هل هي فاقة الكائن (الإنسان) الساحقة، أم الحنو الفارط على الكائن (الحصان).. الحصان الكائن و في ذات الوقت وسيلة العيش، أم هو تعرية لواقعٍ ماحق؟!
…… …… …… ……
"لا تقتلوا البحرَ
فللأمواج أطفال!"
هنا نحن حيال أنسنة كائنين ذوي رمزيتين نشؤيَّتَين: البحر و الأسماك و أعشاب البحر و كائناته الأخرى
…… …… …… ……
يذهبُ الرجالُ إلى الحرب
يذهبُ زهوُ عمر النساء في الإنتظار
يذهب الأطفالُ إلى اليُتم المُبكِّر
و يذهبُ
الوطن
حيث
لا يعلم
أحد!
…… …… …… ……
لا تقتل!
لا تقتل!
لا تقتل
حتى
و لو
في
سبيل الوطن!
…… …… …… ……

أنبأني أنها تُكتَب هكذا على سبيل "الإيقاع البصري"
…… …… …… ……
على
راحتي
اليمنى
قَبَّل
طفلٌ
طفلةً ..
فنَبَتت
على
كفي
اليسرى
وردة.
…… …… ……
قد لا يكون إسقاط الآية القرآنية الكريمة مقصوداً أو مستهدفاً إلا أنه و مع ذلك في موقع صحيح:
(اليوم نختم على أفواههم و تكلِّمُنا أيديهم........)
و الإسقاط الأقرب هو نشوء المحبة حتى و لو إنتقالاً في نفس الإطار الجسدي/نفسي، هكذا كتداعي الجسد بالسهر و الحمى إذا اشتكى منه عضو.
هنا إنتقال موفق في إئتلاف مختلفِ وضعيةٍ في واحد؛ إنتقال المحبة في ذات الإنسان إلى ناحية القلب(اليسرى) من ناحية الفاعلة(اليمنى)، فتكون المحبة تجسيداً عملياً متى عملنا من أجلها في زحمة الإنشغال، و هذا تنبيه للإنتباه لما هؤ كامِن و غير مُحَرَّك في الإنسان، أي إيقاظ الوعي للسعي و تحريك ما هو معطَّل أو مُهمَل أو منسي أو غير مُنتَبَهٍ له(و في أنفسكم).
وجوب تبني و هرمنة الفرح الآلي:
…… …… …… ……
همسَتْ
أوتارُ
الكمنجات
لثقوب الناي:
تعالي
نلتقي
مرَّةً
واحِدةً
خارجَ
ضفاف
الحزن.
…… …… …… ……
إذن، و هنا، هو يدخلنا حقلاً آخر عن طريق نغمتين، تدعو إحداهما الآلة الأشهر في مخاطبة الوجدان، فرحاً و حزناً، تدعو الأخرى إلى تجميل الدنيا بتبني الفرح و زرعه.
عفيف إسماعيل فنان تشكيلي، هذا إلى جانب مناحٍ مبدعة أخرى
حقلُ هذا التبني و إنسجامه هو الحياة و كائنها الأعقل: الإنسان.
…… …… …… ……
نادت عروسُ البحر عُشّاقَها
من الأمواج:
_ ما رأيكم لو سهرنا الليلة في حانة المدينة؟!
تراقَصتِ الأمواج
و تدافعت طرباً في الطرقات
تلهو
تغَنِّي
و تمرح.
في شارع الحانة
تساءلتِ العروس:
_ هل
ما زلنا
بعيدين
عن المدينة؟!
…… …… …… ……
البحرُ في وجدان الكائن البري ينبوعٌ غامِضٌ و سحري، يمتلئ بكائنات طيبة: الموج و الأسماك و عرائس البحر و هي تقصد البر عبر السواحل كسمكة الإسباني فرانشيسكو دي غويا و التي تقفز من أصيصها فكأنها ملَّت بالإعتياد بئتها و هفت إلى معرفة العالم الآخر؛ الخارجي.
و هنا إستدعاء ، ظاهري أو باطني، عبر سمكة التشكيلي الإسباني، أي إستكشاف العالم الآخرالخارجي، أو الهفو نزوعاً للعالم الآخر؛ العالَم الخارجي حيث فيه يكمن فناؤها، فكأنها مَلَّت _بالإعتياد_ بئتها. بيد أن عفيف رَمَّز للفكرة، ثم فكَّ مغاليقها إيحاءً ذا وضوح.

_يتبع _


(هذا الذي ستقرأه إبتداءةَ مسَوَّدة لدراسة تذوقية لِ "عفيف اسماعيل _ الأعمال الشعرية"، و هي ستستمر _من فترة لأخرى_حتى تصل صياغتها النهائية)