الكان زمان

الكان زمان
لا اجد لعشق الماضي لدي تفسيرا يرضيني
يقول علماء النفس انه هروب من الواقع مع عدم ثقة بالنفس تدفع صاحبها للارتماء في حضن أمان ما مر اذ لا يخشى منه غائلة المجهول
يقول علماء الاجتماع انه اسقاط لنظرة عدم الرضا عن الحالة الراهنة للمجتمع تدفع صاحبها للاشمئزاز فيفر بعقله نحو الماضي السعيد
يقول مشعلو الثورات انه يأس من الحاضر قنوط من المستقبل
يقول العجائز انه نضج يتبدا قبل الاوان اذ خير زماننا ما مر
يقول الشباب مكسب لكن شنو يعني ؟

لكني بين كل هذا و ذاك اعشق الماضي
الاسود و الابيض بصورته الخشنه
ما ولجت ام درمان الا و تذكرت ان اجدادي مشوا على هذه الارض .. شارع المروده سار عليه سلاطين يرسف في قيوده نحو سجن الساير .. قهوة ود الاغا جلس فيها عبد الله خليل يلعب الكوتشينه و قال كلمته اللتي اصبحت سياسه بعد ذلك : القافل يجر . ( قالها لعبد الناصر عندما توتر الامر بين مصر و السودان و كاد يصل حد المواجهه العسكريه فعرض عليه عبد الناصر حلا وسطا فقال عبد الله خليل : حلايب حقتنا و القافل يجر . اي انها لنا و ليكن ما يكن ) . الخرطوم .. هنا ذبح الغردون .. على هذه العتبات هز مرسال حامل راية ميرغني سوار الدهب رمحه و قال لغردون : وقعتك يا كلب النصارى . و طعنه في مقتل . لازلت اواعد اصحابي بجوار البرلمان .. فيحتارون ؟ اين يقع هذا البرلمان في الخرطوم ؟ و اسير جوار نادي ناصر الثقافي على حين لا يذكر المبنى نفسه هذا الاسم . يأسرني حي الوابورات ببحري لرائحة الماضي العالقه فيه . كأن المصريين لازالو يسكنونه . في الشماليه اسعد ايامي حين ازور دنقلا العجوز . لا اهرع نحو القباب التي يطوف بها الطائفون .. بل اسرع نحو المدينة القديمة لالتقط بقايا الفخار و اواني الطبخ المبعثره .. و يوم عثرت على ورقة مكتوبة بقلم الكوبيا في انقاض دنقلا العجوز احسست كأن الدنيا حيزت لي . لا لن اخبركم عن سعادتي حين سمح لي مدير بعثة التنقيب البولندية ان الج الكنيسه الجديده التي اكتشفوها و تعود للقرن السابع الميلادي. في كوستي كنت ازور استراحة الري المصري كل يوم . هي اليوم فندق لكنها عندي استراحة المهندسين المصريين بطرابيشهم و شواربهم المبرومه ..سنار تعني لي منطقة مكوار .. حيث دخل اسماعيل باشا بجنوده يوما ..
الهذا انفقت عامين من غض الشباب اتسكع في دار الوثائق السودانية اتقلب بين الصحف القديمة و المخطوطات النادره و اتعرض لدكتور ابو سليم رحمه الله علني افوز منه بكلمه على حين كان اصحابي يلجون حفلات فرفور و محمود و هما ذلك الحين اكتشاف جديد يبهر الجميع ؟ في القاهرة قسمت وقتي بين خان الخليل و قهوة الفيشاوي و دار الكتب المصرية مناصفة مع سطح عمارة خربة في حي الكخيا في ادغال العتبه . ذنب هذه العمارة ان والدي كان يسكن فيها في الاربعينيات حين كان طالبا بمصر .
قويس النصر في باريس .. لا امل حين اقف امامه ان اتذكر جيوش نابليون و هي تمر من هنا .. بماذا احس المارون و في ماذا فكر الذين وقفوا يهتفون بحياة المنتصرون ؟ كيف لو علمو ان الجنرال سينتهي اسيرا في جزيرة صغيره ؟
تغيير الحرس بقصر بيكنجهام .. التقليد الراسخ .. حاولت ان ازور المانش لأرى الحارس الذي يقف هناك الى يومنا هذا ليحذر المملكة من هجوم نابليون اذا جاء.. مات نابليون .. و ما عادت فرنسا تفكر في غزو الجزيرة .. لكن الحارس تقليد باق الى اليوم .. لكني لم اره .. و ساعود اليه ان اذن الله ..
كل بقعة في العالم لا تعني لي شيئا بلا تاريخ .
الهذا لا احب امريكا ؟ الان تاريخها مفتعل مصنوع ؟
يلقون بعدد من صناديق الشاي في المحيط فيصبح لديهم عيد الشاي .
يجد جماعة من المرتزقة الذين خرجوا ليقتلو الهنود الحمر ديكا روميا فيخرج الى الوجود عيد الشكر .
يسرقون اعياد الافارقة ليصنعوا عيد الهالوين ( عيد كل القديسين و هو عيد افريقي خاص بمعتقد الزومبي و عودة الموتى الاحياء )
تبا لها من قارة مصنوعة مسروقه
لكن التاريخ يبقى سلوتي و لغزي
لا احب ان ارى فتاة جميلة قدر ان اعرف كيف كانت تبدو في طفولتها
لا يهمني مرج فسيح ان لم اعلم ان جيشا مر عليه تحدوه امال النصر او تزفه ويلات الهزيمه
لا يلفتني بيت ان لم يقم فيه شاعر او يسكنه تاريخ
قاتل الله ابا العلاء اعمى المعرة حين قال : خفف الوطئ ما اديم الارض الا من هذه الاجساد .
ما احكمه و ابلغه .. ما الحاضر الا طلاء باهت يلوث وجه الماضي الجميل
الغد ؟ ماذا عنه ؟
جماله انه طلاء يغطي الحاضر حين يصبح ماضيا .. فقط
و لعل السبب تلكم المرأة .. جدتي لأمي رحمها الله ..
كنت احبها .. و كانت تحجيني .. بالاقاصيص و التاريخ و الخرافات و الشعر و الدين و السياسة و بريجيت باردو التي لم ترها لكن سمعت عنها فاعجبها ان اول حروف اسمها توافق حروف اسمها ب .ب .
لعلي لهذا اعشق الماضي .. لأن جدتي زرعت في داخلي تلكم الكلمة .. فصرت احملها اينما ذهبت ..
كان زمان

اخوكم جدو
هذا الموضوع جأني في رساله من الاستاذه نسرين احمد وهو بقلم الاخ جدو مبارك