التميز خلال 24 ساعة
 العضو الأكثر نشاطاً هذا اليوم   الموضوع النشط هذا اليوم   المشرف المميزلهذا اليوم 
قريبا

بقلم :
قريبا
آخر 10 مواضيع
الفقرا العزمو القطر (الكاتـب : - مشاركات : 0 - المشاهدات : 192 - الوقت: 06:16 AM - التاريخ: 01-18-2024)           »          إلى وطني .. لن تأتي العصافيرُ[ (الكاتـب : - مشاركات : 0 - المشاهدات : 615 - الوقت: 06:16 PM - التاريخ: 10-03-2023)           »          كل المواسم يا بلد إطاقَشَن (الكاتـب : - مشاركات : 0 - المشاهدات : 362 - الوقت: 06:11 PM - التاريخ: 10-03-2023)           »          الشوق غلب (الكاتـب : - مشاركات : 0 - المشاهدات : 838 - الوقت: 04:36 AM - التاريخ: 05-29-2023)           »          سلام ومحبة (الكاتـب : - مشاركات : 0 - المشاهدات : 7700 - الوقت: 08:04 AM - التاريخ: 10-03-2022)           »          «الفقرا» شوق وحنين (الكاتـب : - مشاركات : 0 - المشاهدات : 10309 - الوقت: 01:25 PM - التاريخ: 08-13-2022)           »          جمعية الصفوة السودانية تحتفي بتدشين كتاب ذكرياتي مع الشيخ الوالد محمد أحمد حسن بقاعة (الكاتـب : - مشاركات : 0 - المشاهدات : 10244 - الوقت: 03:00 PM - التاريخ: 07-16-2022)           »          يوم الرحول.. (الكاتـب : - مشاركات : 0 - المشاهدات : 6033 - الوقت: 03:36 PM - التاريخ: 07-14-2022)           »          سلام ومحبة (الكاتـب : - مشاركات : 1 - المشاهدات : 6842 - الوقت: 07:16 PM - التاريخ: 05-08-2022)           »          مبروووك (الكاتـب : - آخر مشاركة : - مشاركات : 1 - المشاهدات : 7252 - الوقت: 04:33 AM - التاريخ: 08-15-2021)


الإهداءات


العودة   منتديات الحصاحيصا نت alhasahisa > «۩۞۩-المنتديات العامه-۩۞۩» > «۩۞۩-منتدى الادب والثقافة-۩۞۩»

«۩۞۩-منتدى الادب والثقافة-۩۞۩» يهتم بالأدب و المواضيع الثقافية و الفنية

إنشاء موضوع جديد  إضافة رد
المنتدى المشاركات الجديدة ردود اليوم شاهدة المشاركات المشاركة التالية
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 03-05-2010, 04:57 PM


بكري حاج احمد غير متواجد حالياً
SMS ~ [ + ]
حاجة فيك
تقطع نفس خيل القصايد
تشده أجراس المعابد
توهتنى .. جننتنى
جننت حرف الكلام
لوني المفضل Brown
 رقم العضوية : 2770
 تاريخ التسجيل : Mar 2009
 فترة الأقامة : 5480 يوم
 أخر زيارة : 04-23-2016 (10:24 PM)
 المشاركات : 3,204 [ + ]
 التقييم : 46
 معدل التقييم : بكري حاج احمد is on a distinguished road
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي حوش بنات ود العمدة



للكاتبه سناء جعفر

الفصل الاول

إنطلقت الزغرودة عالية مجلجلة بجرس موسيقي صاف وشقت عنان سماء إختلطت فيها ألوان السحب ما بين الأبيض الناصع والـرمادي المتدرج وطغى عليها لون إحتضار الشمس بزفيـرها النـاري وهي تغيب ببطء خلف الأفق المتأهب لغزو الظلام ... تتالت الزغاريد التي كانت تبدأ بعنفوان متحمس منساب ثم تنخفض برنات متفاوتة في الطول والنعومة ...
وضجت سماء (حي أبوروف ) بالأصوات التي إعتادتها طيلة الشهرين الماضيين ..
في الفضاء إرتفعت أعمدة دخان باهت ترافقها رائحة " الشاف " المحترق وأبخرة الشحم المخلوط بالقرنفل وأعواد الصندل ... قطع مزيج الروائح النفاذة الشارع الأسفلتي الضيق الذي يفصل منزل حامد الأمين عن النيل وتوغل حتى وصل إلى القوارب الصغيرة التي كانت تتهادى في رحلة عودتها من صيد موفق ... تبادل المراكبيه إبتسامات متواطئة عندما سمعوا رنات الفرح الصادحة المصحوبة بمزيج الروائح المغرية وهي تستفز خياشيمهم التي أدمنت رائحة البحر والسمك ... ظهرت علامات الإنتشاء في الوجوه الكالحة ... وصرخ أحدهم منادياً الآخر ...

- بختك يا ورّاق ... ماشي حوش ود العمدة محل الريحة السمحة والوشوش السمحة...
إرتفعت الضحكـات وتبادل الجميع الهمهمات المازحة وهم ينظرون إلى مركب ورّاق الصغير بحسد ... ونادى صوت آخر ...

- والله سمح العرس عند بنات ود العمدة ... إلا هي الحفلة متين ؟؟؟

رد ورّاق بفتور وهو يوجه قاربه الصغير نحو الشاطئ .. وإرتج جسده النحيل قليلا عندما اصطدمت المقدمة بالضفة الرملية :

- العرس الأسبوع الجاي
حمل كيس الخيش الممتلئ بالأسماك .. وبخطوات خفيفة حافية قطع الشارع الضيق ووقف قليلاً يتأمل المنزل المهيب بأبوابه الكبيرة ومساحته الشاسعة التي تمتد حتى نهاية الشارع ... كانت ألوان الغروب الدافئة تنعكس على الجدران الحجرية العالية وتضفي عليها ظلالاً ناعمة بددت جمودها حتى خيل لورّاق كأنها تتحرك ... هز رأسه كي ينفض عنه أوهامه ثم دخل بإلفة من الباب الحديدي العملاق واتجه مباشرة إلى خلف المباني وهو يتبع خليط الروائح المغرية ... عندما وصل إلى الزاوية التي يبدأ بعدها الحوش الفسيح ... راودته نفسه أن يتجاهل أسلوبه المعتاد في إعلان حضوره وإدعاء الغفلة حتى يرى ما تتوق نفسه إلى رؤياه ... همّ بالتحرك ثم توقفت خطواته بغتة عندما تناهى إلى سمعه صوت حجة " السرة " الجهوري وهي تأمر وتنهي كعادتها ...

- يا بت يا بلقيس زيدي النار دي سريع ... الحفرة بقت باردة والحطب قرب يموت...

تسمّر خوفاً .. ورفع صوته بأعلى ما يستطيع :

- حجة السرة ... يا ناس هوي .. جبت ليكم السمك .. تعالوا شيلوهو مني .

تمتم بالحمد على عدم مطاوعة نفسه الأمارة بالسوء عندما أتاه صوت السرة محذراً ...

- وراق ؟؟ اقيف قبلك أوعاك تدخل ... اجري يا بت يا فاطنة شيلي منو السمك ووديهو لحبوبتك بهناك تنضفو ..وكلمي جدك حامد يديهو القروش ... أتحركي يا بت وبطلي المحركة بتاعت أمك دي ...


تراجع وراق بجسده إلى الخلف ومد رأسه مختلساً النظر داخل الحوش العريض ... كانت فاطمة تتقدم نحوه بخطواتها الراقصة وجسدها الرشيق ... تفوح منها ذات الروائح المستفزة ... بدا جلدها المتراوح بين لون البن المحمص ونعومة ثمرة الطماطم الناضجة ولمعة الدهن السائح يقترب منه ويثير فيه أحاسيس لا يستطيع احتمالها ... ابتلع ريقه بصعوبة عندما وقفت أمامه كإحدى تماثيل الأبنوس المصقولة التي يراها في سوق امدرمان .. خاطبته باستعلاء ..

- أٌف منك ومن ريحتك يا وراق... انت القال ليك منو احنا عاوزين سمك الليلة ؟؟ شايفنا فاضيين ليهو ولزفارتو ؟؟ .. يلا هاته وطير عند ابوي حامد شيل قروشك ... وتاني حسك عينك تجيب سمك لغاية ما العرس ينتهي ...

انتزعت كيس الخيش من يده بعنف واتجهت الى آخر الحوش ... ظل يراقب خطواتها حتى اختفت عن ناظريه خلف سور كثيف من الاشجار المتلاصقة التي كونت ما يشبه دغل صغير بدا واضحاً لمن يراه انه وضع بفعل فاعل كي يفصل ويغطي ما خلفه اكثر من كونه زينة .. وقبل ان يستدير عائداً إختلس نظرة اخرى إلى طرف الحوش الآخر المسكون بمنبع الروائح ...
إرتعشت مفاصله وتسارعت دقات قلبه عندما لمح شبح فتاة رائعة الجمال وقفت بتململ وصبر نافذ ... بدت حبات عرق لامعة تغطي وجهها وتسيل في خطوط متنافسة حتى عنقها ... كانت خصلات شعرها الناعم المتمردة مبعثرة وملتصقة بجبينها الضيق وتدلى بعضها متلوياً على خدودها اللامعة ... حركاتها القلقة جعلت " الشملة " تنحسر عن كتف ذهبي مستدير .. بينما خرجت من أسفلها ساق تشبعت بالدخان حتى صار لونها مائلاً للسواد ...
كانت " بلقيس " كبرى بنات حجة السرة منحنية وهي تلتقط جمرات من "الكانون " أمامها وتضعها بحرص داخل الحفرة العميقة حسب توجيهات امها ...

- رصي الحطب كويس يا بلقيس ... زيدي الجمر دة ووزعيهو عشان يقبض سريع ... وانتي يا بت يا رحمة غتي صدرك ما يلفحك الهوا ... أرفعي الشملة دي لفوق وبطلي الدلع الفارغ البتسوى فيهو ده واقعدي زي الناس في الحفرة ... بنات آخر زمن !! ... الواحدة تقعد عشرة دقايق وتبدا تتململ وتنقنق .. أحي الحفرة حارة ... واي الدخان خنقني ... ما شفتونا إحنا في زمنا نقعد بالساعات الطوال في عزّ الحر وعزّ البرد ... ونتمسح بالودك لمن يسيل ويملا الواطه ... ونتغطى من راسنا لرجلينا مافي مخلوق يشوفنا حتى اقرب الاقربين لغاية ما الدخان يبقى طبقة تخينة لمن يجوا يطلعوها الا يدخلوا القشة .. يلا تعالى اقعدي خلينا نخلص مواعيد الغناية قربت ...

أدرك وراق بأنه قد أطال الوقوف فخاف من إفتضاح أمره وأجبر قدميه المسمرتين على الحركة رجوعاً الى مقدمة المنزل وهو يدور بعينيه آملاً في رؤية المزيد من فتيات الحوش الحسان ... أحس بخيبة امل عندما وصل الى " الديوان " دون ان يصادف احداً ...
في " المصطبة " العاليـة جلس حـامـد الاميـن الشهير " بود العمدة " في كرسي منخفض وأمامه " إبريق " ملئ بالماء وقد شرع في الوضوء بينما تعالى صوت الآذان الشجي من المئذنة العالية التي تطل على الحوش ...
كان ود العمدة رجلاً نحيلاً منتصب القامة بصورة مهيبة وتثير الحيرة في إمكانية تحديد عمره الحقيقي .. بدا التناقض واضحاً بين ملامحه الطفولية الوسيمة والشيب الذي غزا فوديه وتوزع بفوضى محببة في الشارب الغزير والذقن المستديرة الخفيفة التي لم تستطع اخفاء نغزة عميقة توسطت الحنك الدقيق ... كانت نظراته الحادة تنطلق كالشرر من عيون واسعة يتمازج فيها اللونين البني والعسلي بانسجام غريب .. وعندما يبتسم احدى ابتساماته النادرة تنفرج شفتيه عن أسنان بيضاء لامعة تتوسطها " فلجة" صغيرة وتظهر غمازتان عميقتان على خدوده المشدودة ...

بعد ان فرغ حامد من وضوؤه رفع راسه ونظر الى وراق الواقف بصبر وخاطبه بصوت هادئ

- اهلاً يا وراق .. جبت السمك ؟؟ حسابك كم ؟؟

خفض الشاب نظراته إحتراماً وأتت كلماته متلعثمة كما هو حاله عندما يخاطب صاحب المنزل ...

- خليها عليّ المرة دي يا ود العمدة .. دي هدية بسيطة ما قدر المقام عشان العروس المرة الجاية بشيل منك ...

فتح حامد محفظته المنتفخة وأخرج منها رزمة أوراق مالية ومدها للسماك الخجول ...

- هدية مقبولة يا وراق .. وهاك المبلغ دة هدية مني ليك ...

همّ وراق بالاحتجاج فاسكته ود العمدة باشارة من يده ...

- شيل القروش يا وراق .. مش انا قبلت هديتك ؟؟ انت كمان لازم تقبل هديتي ... يلا بطل نقة عشان ما تفوٍت علينا الصلاة .. المغرب غريب وما بتحمل التاخير ...

تناول وراق النقود الممدودة والتي قدر قيمتها بأربعة أضعاف قيمة السمك الذي احضره .. جاهد ليبدو حاسماً وهو يخاطب ود العمدة ...

- انا حشيلهم المرة دي ... لكن المرة الجاية لو أديتني قروش تاني ما بجيب ليكم سمك..

إكتمل مشروع الابتسامة في الوجه الوسيم ... إستدار ود العمدة دون أن يرد .. إتجه إلى سجادة الصلاة وشرع في التكبير بخشوع ...

داخل المنزل الفسيح كانت هناك حركة دائبة لفتيات يجمع بينهن الجمال ويفرقهن اختلاف الأعمار وتباين الألوان التي تدرجت ما بين الذهبي البراق الى الخمرى الناعم والقمحى الفتان والاسمر اللامع ...
في إحدى الغرف المغلقة جلست فتاتان في منتصف السرير تتهامسان بخفوت متآمر وهما لاهيتان بحديثهما عما يدور خارج الغرفة ... فجأة فتح الباب بعنف شتت شمل الهمس ووقفت على عتبته فتاة تتأرجح بين الطفولة والنضج وقد وضعت يديها في وسطها بتحد مما أظهر صدرها العارم الذي لا يتناسب مع قوامها النحيل ... كانت لهجتها المتسلطة ونبرتها الحادة إرثها الواضح من السرة ... تراقصت علامات الغيظ في عينيها الكحيلتين وهي تتكلم بصوتها الجهوري ...

- منال وجاكلين ؟؟ انتو قاعدين هنا تتوسوسوا والدنيا برة جايطة ؟؟ .. انتو يا بنات ما بتفتروا من الكلام ... الوقت كلو مقابلين بعض وتنقوا .. اصلكم بتقولوا شنو ؟؟ بتحلوا مشكلة فلسطين ؟؟!! ما مكفيكم الوقت البتقضوهوا مع بعض في الجامعة ؟؟...



 توقيع : بكري حاج احمد

مواضيع : بكري حاج احمد


رد مع اقتباس
قديم 03-05-2010, 05:04 PM   #2


الصورة الرمزية عارف مصطفي
عارف مصطفي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2697
 تاريخ التسجيل :  Mar 2008
 أخر زيارة : 11-28-2014 (12:27 AM)
 المشاركات : 4,495 [ + ]
 التقييم :  10
 الدولهـ
Sudan
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Fuchsia
افتراضي



نحن في الانتظار ؟.....


 
 توقيع : عارف مصطفي



رد مع اقتباس
قديم 03-05-2010, 08:04 PM   #3




الصورة الرمزية بكري حاج احمد
بكري حاج احمد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2770
 تاريخ التسجيل :  Mar 2009
 أخر زيارة : 04-23-2016 (10:24 PM)
 المشاركات : 3,204 [ + ]
 التقييم :  46
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
حاجة فيك
تقطع نفس خيل القصايد
تشده أجراس المعابد
توهتنى .. جننتنى
جننت حرف الكلام
لوني المفضل : Brown
افتراضي



انتفضت جاكلين فزعاً وهي تتمتم " يا عدرا يا أم النور " رفعت يدها وقد فردت أصابعها الخمس في وجه بدرية فظهر التناقض واضحاً بين باطن كفها الشديد البياض والصليب الموشوم في أسفله باللون الرمادي الداكن وهي تتمتم .. خمسة وخميسه .. الله اكبر على عينك .. ثم مالت على أذن رفيقتها هامسة خوفا من أن تسمعها بدرية...

- تعرفي يا منال خالتك المفعوصة دي يوم حتجيب لي سكتة قلبية بصوتها العامل زي الرعد دة ...

ثم رفعت صوتها وهي تستدير لتخاطب بدرية ...

- في شنو يا بدرية ؟؟؟ القيامة قامت ولا حاجة ؟؟
تدخلت منال بسرعة وقبل أن ترد خالتها بلؤمها المعتاد على صديقتها المقربة ...

- مالك هايجة يا بدرية ؟؟ في شنو ؟؟ .. إحنا جينا نرتاح شوية لغاية ما الناس تخلص صلاة المغرب وبعدين نطلع ...

رمقتها بدرية بنظرة تنفث ناراً ...

- يعني انتي عارفة دة وقت الصلاة ؟؟؟ طيب مالك يا ختي ما قمتي تصلي ؟؟ عرفنا صاحبتك مسيحية .. اها انتي مالك ؟؟

- انا عندي عذر شرعي يا بدرية وما علي صلاة ... خلصينا عاوزة شنو ؟؟ ...

- ما انا العاوزة يا منال ... امي وبلقيس قالوا ليك تعالي جهزي حاجات التعليمة ... مش انتي عارفة انو الليلة آخر تعليمة لرحمة ؟؟ .. ولا عاوزة الناس تجهز ليك حاجات اختك وانتي قاعدة تتونسي ؟؟ ...

- طيب يا فالحة ... اجري قولي لامي وحبوبة انا وجاكلين جهزنا الحاجات كلها من قبيل ومنتظرين الغناية تجي عشان نطلعها ... يلا هويّنا ...

إستشاطت بدرية غضباً .. وظهرت نزعتها الطفولية في حركة قدمها التي رفعتها وضربت بها الارض ...

- اوعك يا منال تقولي لي هوينّا ... والله اكلم ليك امي وبلقيس ... انا صحي اصغر منك لكن مفروض تحترميني .. انا خالتك ولا انتي ناسية ؟؟ ..

- طيب يا خالتي ... خلاص رسالتك وصلت .. ممكن تمشي هسة ؟؟ ولمن رحمة تخلص دخان والغناية تجي تعالي ناديني ...

إستدارت بدرية والدموع تتلألأ في عينيها ... إتجهت مباشرة الى خلف المنزل وبدأت بالشكوى ما إن رأت امها وشقيقتها الكبرى تحيطان برحمة المتبرمة من حرارة الدخان ... إنتفضت السرة هلعاً عندما رات صغرى بناتها تشرق بدموعها ..

- سجمي .. مالك بتبكي يا بدرية ؟؟ في شنو ؟؟ ...

تجاهلت بدرية امها واتجهت الى شقيقتها ..

- يا بلقيس شوفي منال دي .. بتعاملني كاني طفلة صغيرة وما بتعمل لكلامي أي اعتبار وطول الوقت قاعدة مع جاكلين ولو جيت اقعد معاهم يطردوني ... هي أولى ليها تقعد مع منو ؟؟ انا ولا جاكلين ؟؟

كانت بلقيس تدرك إحساس الغيرة الذي يعتري شقيقتها الصغرى من علاقة إبنتها بجاكلين .. وظلت تراقب بإشفاق محاولاتها المستميتة لدخول الدائـرة المغلقة عليهما ورغبتها الملحة في تصنيفها ضمن ( البنات الكبار ) حتى تخرج من صفة الطفولة التي تلازمها .. من جانبها حاولت بلقيس جاهدة خلق علاقة تآلف بين شقيقتها وبين " هادية " إبنة نعمات زوجة أبيها التي تماثلها سناً .. لكن العداء المستعر بين السرة ونعمات خلق شرخاً عميقاً بين الاخوات لم تفلح حكمة ود العمدة في تضييقه برغم إسلوبه العادل في المعاملة بين زوجتيه وبناتهما ...

هبت بلقيس من جلستها واحتضنت شقيقتها التي تحس بالامومة تجاهها وخاطبتها بحنو زائد وهي تمسح دموعها بطرف ثوبها ...

- معليش يا بدرية ما تزعلي .. إنتي مش عارفة منال وطريقتها ؟؟ لكن والله هي بتحبك اكتر من أي زول تاني ... بس انا كلمتك من زمان .. وقت المذاكرة ما تمشي ليها .. وبالذات الايام دي امتحاناتها قربت وعرس رحمة عامل ليها ربكة شديدة .. هي وجاكلين بينتهزوا أي فرصة عشان يذاكروا .. وبكرة لمن تدخلي كلية الطب زيهم حتعرفي زنقة المذاكرة كيف ...

ازدادت بدرية التصاقاً بشقيقتها وهي تحتج ...

- ما كانوا بيذاكروا يا بلقيس ..كانوا قاعدين يتونسوا وأول ما دخلت عليهم قطعوا الكلام كالمعتاد ... انا عاوزة اعرف ليه بيسكتوا كل ما اجي اقعد معاهم ؟؟

كانت الكلمات تندفع من فمها كالسيل حتى طغت عليها زغرودة عالية مميزة تعالى بعدها صوت رفيع يتكلم بلكنة محببة ...

- السرة ... بلقيس .. يا جماعة انتو وين ؟؟ لسة ما جهزتوا ؟؟ ... انا جبت اللقيمات وبلح القنديلة الما خمج جابوهو من الشمالية امس ... تعالوا يا بنات شيلوا معاي ..يا بت يا اميرة .. مالك واقفة متنحة كدة ؟؟؟ اتناولي مني كورة المديدة دي ووديها لرحمة خليها تشربها دافية عشان تشد حيلها في الرقيص ...

افلتت بلقيس شقيقتها من بين ذراعيها وهي تحذرها ...

- بدرية .. اوعك تتكلمي فارغ قدام خالتك رجاء ولا تجيبي سيرة منال وجاكلين فاهمة ؟؟

وقبل ان تجاوبها بدرية ارتفع صوت السرة مهدداً ...

- امشي يا بت بلاش دلع فاضي وشوفي ليك شغلة اعمليها بلا كل يوم فالقة راسنا منال وجاكلين .. جاكلين ومنال ... وبحذرك لو لحقتي فتحتي خشمك دة قدام رجاء ولا جبتي السيرة دي بالغلط ما تلومي الا روحك وشوفيني حاعمل فيك شنو ..

ظهرت رجاء في طرف الساحة وهي تحمل الاغراض بكلتا يديها وسيل الزغاريد يندفع من فمها بلا توقف ... كانت امراة قصيرة القامة ممتلئة باعتدال وذات ملامح ناعمة .. يحيط بوجهها المستدير شعر قصير تداخلت فيه الخصلات السوداء مع الفضية لتكسبها عمراً يفوق عمرها الحقيقي .. من خلف اطار النظارة الطبية الذهبي الرفيع شعّت عينان تفيضان لطفاً وحناناً ... وتزينت شفتيها الرفيعتين الباهتتين بابتسامة لا تعرف الخمول ... ظهر بياض بشرتها من خلال فتحة الفستان الاسود الذي اصبح علامة مميزة لم تفارقها منذ ثمان سنوات حينما ارتدته حزناً على وفاة زوجها الشاب بحادث سير ماساوي تاركاً لها جمال على أعتاب الشهادة السودانية والتوأم جانيت وجاكلين في الثانية عشرة من عمرهما ... حملتهم مع فجيعتها وعادت بهم الى منزل والدها العجوز الملاصق لحوش ود العمدة .. كانت دماثة خلقها هي جواز مرورها الى قلب حامد والسرة ..وخلال فترة وجيزة اصبحت كاحدى بناتهم .. واصبح اولادها بمثابة الاخوان لبنات الحوش .. وبعد وفاة الوالد العجوز زادت رعايه حامد للاسرة الصغيرة .. وبرغم حضور شقيق رجاء من " الدبة " مسقط راسهم للاقامة معها .. الا ان احساس ود العمدة بالمسئولية تجاههم لم ينقص بل زاد وشمل القادم الجديد فاحتضنه ووفر له عملاً في سوق امدرمان وقدم له الدعم والحماية حتى قوى عوده...
بحضور رجاء ارتفعت حرارة الزغاريد وبدا توافد الجيران لحضور التعليمة ... اغتنمت " رحمة " الفرصة وهبت بفرح من حفرة الدخان ... تجرعت " المديدة" التي احضرتها رجاء على عجل ثم ركضت الى الداخل تتبعها صرخات امها ...

- يا بت اركزي وبطلي الجري ... امشي ارتاحي شوية واجهزي الغناية قربت تجي ... يا اميرة نادي لي منال .. البت دي مشت وين ؟؟!! ...

اتاها صوت من داخل المنزل مجيباً...

- منال مافي ... مشت بين ناس خالتي رجاء مع جاكلين ...

تنهدت بلقيس بغيظ وهي تتمتم .. والله ما خاتية عليك بدرية يا منال يا بتي... الوقت كلو يا قاعدة مع جاكلين ولا عندهم في البيت ... اليتكل عليك يتكل على حيطة مايلة ... اخير اقوم اسوي حاجاتي براي ... بس لو اعرف سرك شنو مع بيت ناس رجاء كنت ارتحت !!! ...

كانت جدران المنزل الصغير الملاصق لحوش ود العمدة مطلية بلون الكركم الأصفر فاظهر سواد الباب الحديدي العريض الذي يتوسط حائط قصير انتصبت في قمته قطع من الزجاج الناتئ باشكال مثلثية متنافرة ... إتكأ الباب على ثلاث عتبات خشنة وإستظل تحت تعريشة من " القنا " المتقاطع التي تشكل ممر ضيق يمتد الى البوابة الداخلية للمنزل .. على الاعواد المطلية بمختلف الالوان تسلقت فروع شجرة عنب عجوز واصبحت اوراقها مظلة خضراء تدلت من بينها العناقيد المخفية في قطع صغيرة من القماش الابيض ... في جنبات الحوش تناثرت اواني الزرع الفخارية الرطبة ... وغلبت على محتوياتها ورود " الجهنمية " الحمراء والبرتقالية ... بينما شكلت شتلات الفل والياسمين أقلية نشرت رائحتها العطرة لتختلط برائحة البسطرمة وضفائر السجق المتدلية من حبال متوازية اصطفت في طرف الحوش البعيد ...
بدا الضوء المنبعث من الداخل ناعماً بتموجات صفراء توحي بالدفء ... كان النظام يميز الصالة المربعة المفروشة بأثاث بسيط ... على الجدران توزعت صور مريم العذراء وهي تحمل طفلها وتحيط براسيهما هالات من نور ... وصور متنوعة للمسيح وهو يتناول عشاؤه وسط حوارييه ... و لوحة كبيرة إحتلت نصف الجدار لقديس يرتدي درعاً ويحمل رمحاً طويلاً يغرزه في احشاء تنين مطروح ارضاً ... كانت أبواب الغرف تطل على الصالة الصغيرة ... بينما انزوى المطبخ والحمام في احدى الاركان .. تسللت روائح البسطرمة والسجق الى الداخل واختطلت بعبق بخور اللبان المتصاعد من مبخر صغير لتخلق جواً مثقلاً بمزيج مميز ...

داخل احدى الغرف وقفت جاكلين أمام المرآة وهي تمشط شعرها الطويل وتزيد من حمرة شفتيها بينما جلست على السرير نسخة طبق الاصل منها تراقبها بغيظ .. وأخيراً خاطبتها من بين اسنان مطبقة...

- جاكلين ؟؟ انتي مش عارفة الليلة عندنا درس الكتاب في الكنيسة ؟؟ البص حيجي ياخدنا بعد شوية ... انتي ما ناوية تمشي ولا شنو ؟؟

ردت جاكلين بلهجة عابثة لا مبالية ...

- جانيت يا حبيبتي ... انتي مش عارفة انو الليلة تعليمة رحمة الاخيرة ؟؟ كيف يعني عاوزاني افوتها ؟؟ لو على درس الكتاب ما هو كل اسبوع ... حامشي الاسبوع الجاي ولو قسيس نجيب سال عني قولي ليهو عيانة ...

هبت جانيت وقد احمر وجهها غضباً ..

- والله عال يا جاكلين ... ما مكفيك انك ما ماشية وكمان عاوزاني اكذب عشان اغطي عليك ؟؟!! انتي انسانة ما مسئولة .. الاهم ليك شنو درس الكتاب ولا التعليمة ؟؟ انتي يا بت ما ناوية تتعدلي وتمشي صح ؟؟

هزت جاكلين راسها فتماوج شعرها الكثيف بنعومة .. استدارت لتواجه توأمها بتحدى ...

- يا جونا يا اختي .. بطلي تعقدي الدنيا لانها ما ناقصة تعقيد ... انتي عاوزة تمشي الكنيسة ؟؟ امشي .. انا ما حايشاك .. وما في داعي تكذبي .. لو سألوك عني قولي ليهم مشت تعليمة بت الجيران .. اوكيه ؟؟ يلا يا حلوة باي ... لمن ترجعي احكي لي درس الكتاب وانا بحكي ليك التعليمة..

غمزت شقيقتها بعينها وهي تخرج من الغرفة منادية ...

- يلا يا منال جيبي الكتاب وتعالي اتاخرنا ...

انتفضت منال عند سماع صوت صديقتها وسحبت يدها النائمة بدعّة في يد جمال .. تلاقت عيناهما في نظرة طويلة معبرة وهمست له قبل ان تخرج من باب الغرفة الموارب ...

- جمال ... لازم اشوفك بعدين ... انا ما بقدر اجي عندكم تاني الليلة .. وبكرة طالعة مشاوير مع امي نقضي باقي حاجات العرس ... يعني إحتمال ما الاقيك ... بعد ما تنتهي التعليمة انت تعال عندنا البيت .. اعمل روحك عاوز أي حاجة من خالتي رجاء ولا جاكلين .. خلاص اتفقنا ؟؟ انت عارف انا لو ما شفتك يومين ورا بعض بتعب شديد ...

احس بالخدر وهو ينظر الى عينيها الجميلتين فاختفى صوته وأومأ ايجاباً وهو يرسل لها قبلة في الهواء التقطتها وردتها اليه قبل ان تخرج على عجل ...


 
 توقيع : بكري حاج احمد

مواضيع : بكري حاج احمد



رد مع اقتباس
قديم 03-06-2010, 01:52 PM   #4




الصورة الرمزية بكري حاج احمد
بكري حاج احمد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2770
 تاريخ التسجيل :  Mar 2009
 أخر زيارة : 04-23-2016 (10:24 PM)
 المشاركات : 3,204 [ + ]
 التقييم :  46
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
حاجة فيك
تقطع نفس خيل القصايد
تشده أجراس المعابد
توهتنى .. جننتنى
جننت حرف الكلام
لوني المفضل : Brown
افتراضي



الفصل الثاني


تمطّت " نعمات " بليونة في الكرسي المواجه للمرآة داخل غرفة نومها .. مالت بجسدها حتى كاد وجهها يلتصق بانعكاسه في الزجاج المصقول ... كانت تتأمل ملامحها بدقة .. مرت باطراف اناملها على جبينها العريض وهي تتلمس التجاعيد التي تتشكل في خطوط عرضية عميقة عندما ترفع حاجبيها الغليظين إلى أعلى ... احست بكآبة تحتلها فانزلت اصابعها الطويلة الى ركن عينها وهي تحسب عدد الخطوط الصغيرة التي تزايدت خلال الفترة الاخيرة ... ظلت على حالها فترة من الزمن يدها تتجول بلا وعي بين خدودها النحيلة واعلى شفتيها المكتنزتين وعنقها الطويل المشرب بالسمرة
اخيراً نهضت عن الكرسي وتمايلت يميناً ويساراً وهي تستكشف بعرفان تضاريس جسدها اللدن الذي كتم سر سنوات عمرها بمهارة ولم يفصح عن الاثنتنان وخمسون عاماً التي بلغتها منذ شهور ...
كانت شاردة الذهن .. تتنازعها مشاعر متناقضة بين الفرح والحزن ... ما يحدث في المنزل من تجهيزات زواج حفيدة زوجها أهاج شجونها وأعاد اليها ذكريات قديمة راحت تسترجعها بلذة خفية كانت في السابعة والعشرين عندما رأت حامد للمرة الاولى ... شريك والدها في تجارة الاخشاب والذي اصبح صديقه برغم فارق العمر بينهما .. سبقته سمعته اليها قبل ان تراه .. كان والدها يتحدث عنه باعجاب واحترام وهو يثني على ادبه ونشاطه والتزامه وجديته ... تدريجيا انتقل اليها الإنبهار بشخصية ود العمدة واصبحت تتلهف لمعرفة اخباره ...وبرغم علمها بزواجه من ابنه عمه وابوته لاربع بنات ... الا انها لم تكن تملك دفعاً لمشاعرها المتنامية ...
كان زواج شقيقها الاكبر سبباً في اول لقاء بينهما ... عندما راته بجسده النحيل وعينيه الحزينتين بلونهما المتمازج قفز قلبها ... وادركت انها واقعة في هوى هذا الرجل ما ان تلاعبت غمازتاه إثر ضحكة هادئة اطلقها تجاوبا مع إحدى دعابات ابيها ... عزمت على لفت نظره باي طريقة ممكنة ... فانتظرت حتى صدح صوت الفنان باغنية بطيئة الايقاع ودخلت حلبة الرقص بتصميم وهي تتباهى بشعرها الطويل الغزير الذي رفع عنه حظر الاختباء خلف الثوب إكراماً لزواج شقيقها ... أحنت ظهرها بليونة وفردت ذراعيها بدلال فنفر صدرها أمامها بعنفوان وهو يعلو ويهبط بتناسق تام مع حركات عنقها الطويل ... كانت ترقص برشاقة الغزال وعيناها تحدقان في النجوم فوقها بهيام .. تلاشى احساسها بمن حولها واصبحت ترقص له وحده ... كانت بين الحين والاخر تسترق النظر تجاهه لترى تاثير مهارتها التي اجبرت الجميع على التراجع والوقوف متفرجين فصارت وحيدة وسط دائرة من الانظار الشاخصة ... إختل توازنها لبرهة وجيزة عندما راته قادما نحوها برفقة ابيها ثم استعادت سيطرتها على حركاتها واخذت دورة كاملة اصبحت في نهايتها بمواجهته ... تمايلت باغراء كحمامة منتشية ... ثم خصته ( بالشبال ) دوناً عن غيره ... وعندما لاحظت ارتعاشة رموشه واحتباس انفاسه .. أدركت بانها قد وصلت الى مبتغاها ...

بعدها توالت زيارات ود العمدة الي بيتهم ... لم تكن تعدم الوسيلة التي تجعله يراها بها في أبهى حلة عند كل زيارة ... وعندما لمّح حامد لوالدها عن رغبته بالزواج مرة اخرى املاً في الحصول على الولد الذي يتمناه بعد ان انجبت له زوجته اربع بنات .. فهم الرجل الخبير التلميح ولم يتحفظ في الموافقة على تزويجه ابنته التي كانت تسير نحو العنوسة بخطى حثيثة رغم جمالها واصلها الكريم...
في الثامنة والعشرين من عمرها اصبحت نعمات الزوجة الثانية لحامد الامين ... كان شرطها الوحيد هو بقائها في منزل منفصل وبعيد عن زوجته الاولى .. وكان لها ما ارادت .. اشترى لها حامد منزلاً بالقرب من والديها .. ووزع وقته بالتساوى بينها وبين السرة ... بعد سنة من زواجهما اتت نادية ... ثم تلتها اميرة ... احست نعمات بالقلق والخوف من توالي البنات وامتناع الولد فقررت التوقف عن الانجاب لفترة .. بعد اربع سنوات انجبت هادية التي كان الفرق بينها وبين بدرية ابنة السرة شهر واحد فقط ... وقتها ابلغها زوجها بقراره الواجب التنفيذ عن انتقالها الى البيت الكبير في منطقة ابوروف ورفض كل حججها الممانعة بعد ان وعدها بأن يكون الجزء الخاص بها في المنزل بعيداً عن سلطة السرة ...

وبرغم رفض ود العمدة القاطع بناء جدار يفصل بين المنزلين داخل الحوش الواحد ... الا ان نعمات استطاعت ان تخلق حواجز عالية بينها وبين ضرتها وبناتها ... كانت الصغيرات يخرجن احياناً عن سيطرتها ويذهبن للعب مع اخواتهن بتشجيع من الاب الممتعض من تباعد بناته ... لكن نعمات ظلت بعيدة عن عالم السرة الملئ بالاتباع ... حتى عندما تزوج حامد للمرة الثالثة .. لم تجمعهما المحنة المشتركة ... ومارست كل واحدة منهما رفضها وحزنها باسلوبها الخاص ...
عادت نعمات الى واقعها على صوت ابنتها الكبرى نادية وهي تخاطبها بالحاح ..

- امي انتي سرحانة قدر دة في شنو ؟؟ انا لي ساعة باتكلم معاك.. ما ماشة التعليمة ؟؟. عليك الله يا امي تعالي .. بلقيس حتزعل لو ما جيتي وهي طيبة وبتحبك ... ما ليك دعوة بامي السرة ... اقعدي بعيد منها ...

انتفضت نعمات بغضب عندما سمعت كلمات ابنتها الاخيرة ..

- نادية ؟؟ انا مش حذرتك قبل كدة ما تقولي امي السرة ؟؟ ... اوعى تاني اسمعك تقولي الكلمة دي فاهمة ولا لا ؟؟ انتي عندك ام واحدة بس .. انا بس التقولي لي امي .. قال امي السرة قال ... إن شاء الله ( مو ) يفقع مرارتها زي ما فاقعة مرارتي ..

ردت نادية بهدوء وهي تحاول امتصاص غضب والدتها

- حاضر حاضر يا امي ... معليش نسيت ..خلاص تاني قدامك ما باقول كدة ..

صرخت فيها نعمات ..

- لا قدامي ولا وراي ...

تمتمت الابنة بحيرة ..

- لكن يا امي اناديها بشنو ؟؟ باسمها ساكت ؟؟ انتي عاوزة الناس تقول اننا قليلات ادب وانك ما ربيتنا كويس ؟؟ .. هسة مش بناتها كلهم حتى الكبار بيقولوا ليك امي نعمات ؟؟

صمتت نعمات امام منطق ابنتها ثم اخفت عجزها عن الاجابة باشاحة وجهها الى الجهة الاخرى وهي تستمع الى سؤال نادية اللحوح ...

- طيب يا امي انتي حتمشي ولا لا ؟؟

التمعت عينا نعمات بتحد..

- طبعا ماشة ... هو معقولة أنا القى فرصة أغيظ فيها العجوز الشمطاء دي وأخليها ؟؟ اجري طلعي لي توبي الجديد الجابو لي أبوك ... وجيبي علب دهبي كلها .... خلي أميرة تولع لي مبخر كبير ... وطلعي من الدولاب قزازة الخمرة وعلبة البخور .. الليلة حخلي السرة تنفجر من الغيظ ....


 
 توقيع : بكري حاج احمد

مواضيع : بكري حاج احمد



رد مع اقتباس
قديم 03-06-2010, 07:03 PM   #5


الصورة الرمزية بنت القوز
بنت القوز غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3413
 تاريخ التسجيل :  Jul 2009
 أخر زيارة : 11-23-2014 (11:56 AM)
 المشاركات : 922 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Brown
افتراضي



والله يابكري طبعا اختيارك حلو
واختك قرتها في الانترنت طبعا لانها ممنوعه من النشر
بس بالجد قصه حاااااااااصله كل تفاصيلها وبسبها قربوا ارفدوني
من الشغل من شدة ماكنته بركذ في قراياتها
ولي قدااااااااام عشان ناس المنتدي استمتعوا


 
 توقيع : بنت القوز

لو كان الرذق يأتي بقوة ما اكل العصفور شئ مع النسر


رد مع اقتباس
قديم 03-07-2010, 11:27 PM   #6




الصورة الرمزية بكري حاج احمد
بكري حاج احمد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2770
 تاريخ التسجيل :  Mar 2009
 أخر زيارة : 04-23-2016 (10:24 PM)
 المشاركات : 3,204 [ + ]
 التقييم :  46
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
حاجة فيك
تقطع نفس خيل القصايد
تشده أجراس المعابد
توهتنى .. جننتنى
جننت حرف الكلام
لوني المفضل : Brown
افتراضي



في الحوش الفسيح صفت كراسي الخيزران على شكل هلال تربع في منتصفه ( برش ) تداخل فيه لون السعف الطبيعي مع خطوط بلون زهور ( الكركديه ) الداكنة وتزينت أطرافه بحبات الودع وجنيهات ذهبية مزيفة معقودة بإحكام بخيوط حمراء قانية ... كان المكان يموج بالأصوات والضحكات .. والترقب ... في المقدمة جلست المغنية بثوبها الأزرق الشفاف وشعرها المجدول ضفائر صغيرة وهي تنقر بأظافرها الطويلة على " الدلوكة " النائمة في حجرها بطاعة .. من مدخل المنزل ظهرت جاكلين تتقدمها عاصفة من بخور ( التيمان ) تندفع من ( المبخر ) الفخاري الضخم بين يديها .. من خلفها أتت رحمة تتعثر في خطوات خجولة ومرتبكة تسندها يدي منال ... تعالت الزغاريد حتى اهتز المكان برنينها ... كانت تنتهي لتبدا من جديد في مباراة حامية لإظهار البراعة وطول الأنفاس ... لم يقطع سيلها إلا صوت رخيم ترافق مع ضربات قوية على الجلد المشدود ..

من بعيد جات تمشي المها ...
كل زول قال وين امها ....
هدأ الصخب .. وتركزت الانظار على رحمة التي تهادت في البرش كفراشة ناعمة ... كانت قدماها المشبعتان بلون الحطب المحترق تدوران بحرفية اثارت حسد الكثيرات ... وباشارة سرية من عيني المغنية بدات رحمة تفك رباط ثوبها من وسطها بدلال ... رمته ارضاً وهي تبتسم بعيون مسدلة لكلمات التشجيع التي تطلقها شقيقتها وصديقاتها ... اشتعلت الايدي حماساً ... وغابت رحمة عن الواقع المحيط بها وسرح خيالها في المجهول الذي ينتظرها ....
داخل المنزل شبه الخالي طرقت بلقيس برفق على باب غرفة والدتها ثم فتحته قليلاً ومدت راسها لتجد السرة مستلقية على سريرها وهي تدخن سيجارتها ببطء ولذة .. وتتامل بعيون نصف مغلقة الخاتم الذهبي الضخم في يدها اليسرى ...

خاطبتها بلقيس باحترام ومحبة ...

- يمة !! انتي بتدخني هسة والبيت ملان ناس ؟؟ لو زول شافك يقول شنو ؟؟

رمقتها السرة بنظرة مؤنبة ..

- يا بت انا بدخن قـدام ابوك " حامد ود العمدة " شخصيـاً .. ناس شنو تاني البهتم بيهم ؟؟!! ( طظ ) في أي زول ... جهزتي الحاجات كلها ؟؟ العقربة جات ؟؟

ادركت بلقيس مقصد السرة من كلماتها الاخيرة ... كان العداء سافراً ومستمراً بينها وبين نعمات زوجة حامد الاخرى .. ومنذ انتقال نعمات الى المنزل بعد انجابها لابنتها الثالثة بدأت حرب السيطرة والاستقلال الخفية بين الزوجتين .. وبرغم محاولة نعمات تجنب الصدام مع السرة ... الا ان استفزازات ضرتها كانت اكبر من قدرتها على الاحتمال ... وكان لابد لها ان ترد الصاع صاعين فتسلحت بجمالها وفارق السن بينها وبين ضرتها لتواجه به جبروت السرة وسطوتها المستمدة من صلة القرابة بينها وبين حامد وقوة دعم الاهل لابنتهم امام الغريبة الغازية ...

- يا امي الله يخليك ما تصطدمي بيها الليلة وخلي التعليمة تمر علي خير عشان خاطر رحمة ..

- اصطدم بيها ؟؟؟ هي دي منو دي خطافة الرجال دي الانا بعبرها ولا اهببوا ليها ؟؟ اها لابسة شنو ؟؟

- لابسة توب عادي يا امي .. يلا تعالي خلينا نطلع برة .. اكيد الناس بدوا يسالوا حبوبة العروس وامها وينهم ..

نهضت السرة من سريرها بصعوبة وتوكأت على كتف بلقيس حتى الباب المؤدي الى الحوش ثم انتزعت يدها منها بحدة ...

- خلاص خليني امشي براي .. ما عاوزة اللبوة دي تشوفني كدة وتشمت فيني وتقول انا عجزت وبقيت ما قادرة امشي ... هي قاعدة وين .. اريتها تقعد في النار ..

اومات بلقيس تجاه مكان نعمات .. وعندما التقت نظرات المراتين ضاقت عينا السرة بحقد وهي تتامل ثوب نعمات الجديد وكمية الحلى الذهبية التي تتزين بها ... فلكزت ابنتها ..

- ما قلتي توب عادي ؟؟ عايني ليها لابسة كيف ؟؟ هي قايلة روحها لسة عروس مدهبة قدر دة ؟؟ ولا التقول جايباهو من بيت ابوها ؟؟ ما كلو من خير راجلي السرقتو مني ..

جلست السرة في اول كرسي صادفها حتى لا يبدو عليها اعياء السبعين عاماً التي تحملها اضافة الى كميات الشحم الهائلة المتمركزة في بطنها وخلفيتها وساقيها ... دارت بنظراتها تتامل الحضور ... اتسعت ابتسامتها لرؤية جيرانها واقاربها الذين اتوا لمجاملتها ... اغمضت عينيها ورفعت راسها لتطلق زغرودة عالية طغت على كل ما عداها ..


 
 توقيع : بكري حاج احمد

مواضيع : بكري حاج احمد



رد مع اقتباس
قديم 03-08-2010, 09:14 AM   #7


الصورة الرمزية عارف مصطفي
عارف مصطفي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2697
 تاريخ التسجيل :  Mar 2008
 أخر زيارة : 11-28-2014 (12:27 AM)
 المشاركات : 4,495 [ + ]
 التقييم :  10
 الدولهـ
Sudan
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Fuchsia
افتراضي



اديك العافية يا بكري وتسلم كتير
ويلا واصل


 
 توقيع : عارف مصطفي



رد مع اقتباس
قديم 03-08-2010, 09:17 AM   #8




الصورة الرمزية بكري حاج احمد
بكري حاج احمد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2770
 تاريخ التسجيل :  Mar 2009
 أخر زيارة : 04-23-2016 (10:24 PM)
 المشاركات : 3,204 [ + ]
 التقييم :  46
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
حاجة فيك
تقطع نفس خيل القصايد
تشده أجراس المعابد
توهتنى .. جننتنى
جننت حرف الكلام
لوني المفضل : Brown
افتراضي



الفصل الثالث

كان ظلام الليل يجثم على صدر ( إبراهيم ) وهو يتقلب في فراشه باضطراب ... ومن بين شفتيه المطبقتين تنبعث اصوات متقطعة .. مختنقة .. نائحة ... انه جحيمه المعتاد الذي ظن انه قد فر منه منذ زمن طويل لكنه تبعه متواريا في دثار الاحلام ..
حلكة الظلام لفت الكون بستائر عميقة من السكون المصبوغ برائحة الخوف .. وهناك خلف سور الاشجـار الذي يفصل بين البيت الكبيـر والمنـزل الصغير الذي تقطنه اسرة ( بخيت ) و زوجته ( العينة ) وأبناؤهما الثلاثة .. يتراءى ضوء واهن يتراقص مع هبات الريح مشكلاً صوراً مخيفة ... انهم ( السحاحير ) الذين ما تفتا السرة تحذره منهم ومن الذهاب الى المنزل المتواري خلف الاشجار حيث يقطنون ... لكنه بحدسه الطفولي ادرك ان امه تحاول منعه من الاختلاط باهل البيت الصغير لسبب لا يعلمه .. لذلك اعتاد التسلل الى هناك دون علمها ... نهاراً .. كان كل شئ يبدو على طبيعته لم يكن هناك ما يخيف ... لكن الليل هو المشكلة ... عندما يجافيه النوم فيغامر بتحدى الظلام ويقطع الحوش الواسع بخطوات وجلة وهو يتلفت في كل الاتجاهات حتى يصل الى الدغل الكثيف ويندس خلفه مستعيناً بضؤ القمر الباهت للبحث عن ممر الدخول .. كان اكثر ما يخيفه هو صوت صرير الباب الخشبي المتهالك المثبت بعشوائية في الحائط الطيني القصير .. صوتاً كئيباً يسرى في صمت الليل وكانه صرخات الشياطين ... هكذا اخبرته السرة ... بان صوت الشياطين يشبه صوت باب بيت بخيت والعينة ...

كان يتخطى هذا العائق بشق الانفس ليدخل الى الساحة الصغيرة على اطراف اصابعه ... يتراءى له من على البعد حوض المياه العميق المطلي بالطحالب الخضراء وماسورته اليتيمة التي أدمنت سكب القطرات رغماً عن قطع الاقمشة الملفوفة حولها لإيقاف نزيفها المتواصل .. كانت القطع المتدلية بعشوائية تتحرك مع أقل هبة ريح كاذرع العناكب التي تنتظر مروره لتتسلق جسده وتمتص دمه ... كان يكره العناكب وكل ما يذكره بها ... عادة يشيح بنظراته من جهة الحوض وهو يضع يديه على أذنيه الصغيرتين حتى لا يسمع صوت تساقـط قطرات الماء بلحن رتيب يصك أسنانه ... أمام المنزل الطيني انتصبت ( راكـوبة ) فسيحـة جٌدل سقفها بسعف النخيل المتكئ على اعواد القنا السميك ..تمددت ظلال الاعواد التي ترفعها واستطالت فصارت اذرع بمخالب واطراف باقدام معقوفة كان المنظـر يزداد سؤاً عندما تكون هناك بقايـا جمـر متخلف عن حـريق الحطب تحت الصاج الذي ( تعوس ) فيه العينة ( الكسرة ) فتشع كعين خبيثة تراقب تقدمه البطئ نحو باب المنزل المبنى من ( الجالوص ) بنوافذه الخشبية المشققة التي تبعد عن الأرض بمسافة اقل من امتداد ذراعه القصير
كان ابراهيم يستمد شجاعته من احساس الوحدة الذي يخنقه في البيت الكبير .. فلا احد هناك يلاعبه او يتكلم معه ... السرة مشغولة دوماً برعاية شقيقتيه .. بلقيس التي تصغره بخمس سنوات .. وبدور التي بلغت عامها الاول منذ ايام اما والده فهو لا يراه الا لماماً ... لم يحدث يوما ان لعب معه كما يفعل بخيت مع اولاده ... حتى في اوقات وجوده الشحيحة بالمنزل يبدو وكانه يتحاشى بقائهما في مكان واحد ... ما ان يراه حتى يدخل يده في جيبه لتخرج ممتلئة بعملات حديدية متنوعة يمنحها له وهو يربت على ظهره بعجلة كما يفعل مع جرو صغير يرغب في التخلص منه ثم يختفي مسرعاً من امامه .. كثيرا ما احس بالالم والحيرة من تجاهل والده له فكان يلجا الى امه ويسالها ..

- انتي يا السرة ... ابوي ليه ما بيحبني ؟؟

وتاتيه اجابتها المكررة المترافقة مع ضربة قوية من يدها على صدرها...

- سجمي ؟؟ يا ولد منو القال ليك الكلام الفارغ دة ؟؟ ابوك حامد بيحبك اكتر من روحو وبعدين انا مش قلت ليك قبال كدة ما تناديني باسمي ساكت كدة ؟؟ مش كلمتك انو كدة عيب وحرام والله حيدخلك النار لو ناديتني باسمي ؟؟ قول امي يا ابراهيم ... ما تقول السرة .. قول امي ... اوعاك اسمعك تاني تقول السرة ....

لكنه يتجاهل كلماتها كما كل مرة ويواصل اسئلته الحائرة ...

- طيب يا السرة هو ليه ما بشيلني ويلعب معاي زي ما بيعمل مع بلقيس وبدور .. ولا زي ما عم بخيت بيعمل مع عبد الرزاق وحبيبة ؟؟
وتاتي الاجابة المتوارية خلف الحقيقة المؤلمة ...

- عشان بلقيس وبدور بنات وانت راجل ... وعشان هم صغار وانت كبير ... وبعدين انا مش حذرتك ما تمشي بيت ناس بخيت ؟؟ ومش قلت ليك ما تقول ليهو عمي ؟؟ انت تناديهو بخيت وبس .. وما تلعب مع اولاده ديل لا زيك ولا بشبهوك ...

- كيف يعني ما زيي ولا بشبهوني ؟؟ قصدك عشان لونهم اسود وشعرهم خشن ؟؟

- لا ما عشان لونهم اسود وشعرهم خشن ... لكن هم بس ما بشبهوك والسلام ... انت لسة صغير وما فاهم حاجة وبكرة لمن تكبر حتفهم معنى كلامي دة ... يلا بطل غلبة كتيرة واتعلم تقول امي ...

لم تقنعه اجاباتها يوماً ولم تمنحه الراحة التي يحتاجها أوتبدد الحيرة التي يحسها ...

- اشمعنى انا عاوزاني اقول ليك امي ؟؟ ما كل الناس بتقول ليك السرة ..

ونكاية في اجاباتها التي لم تشف غليله كان يهرب من امامها تجاه بيت بخيت والعينة تتبعه صرخاتها المحذرة ...

- يا ولد تعال .. ما تمشي هناك ... عندهم سحاحير بياكلوك ..
في النهار .. لم يكن يهتم لتخويفها ...
لكنه الان في قبضة الليل .. خطواته المتسللة الصامتة ترتعش تجاوباً مع دقات قلبه الخائف ... لقد جفاه النوم وعززت صرخات بدور المريضة (بالحصبة) من دوافع صحوه فوجد نفسه وحيداً في الغرفة الواسعة بسقفها الخشبي المرتفع ... وصوّر له خياله ( العناقريب ) الضخمة بارجلها الرفيعة العالية كانها العناكب التي يكرهها فنزل من مكانه بهدوء حتى لا يوقظها من سباتها ... انسلّ من غرفته وركض تجاه غرفة السرة المضيئة ... من شق الباب الموارب سمع صوت بدور الباكي فاختلس النظر ليجدها بين ذراعي امه المتقرفصة في منتصف سريرها وهي تحملها وتهزها برفق بينما استكانت بلقيس بين ذراعي والده وهو يدور بها من اقصى الغرفة الى اقصاها ... يبدو ان لا مكان له هنا ... تسلل بهدوء من باب المطبخ الخلفي باتجاه بيت بخيت والعينة ... هناك دائما يجد مكانا يسعه واشخاصاً يلاعبونه ويهتمون لامره ...
عندما تخطى كل الصعاب ووصل اخيراً الى الباب ... إنفتح امامه بسلاسة ودون اصدار الصوت الشيطاني فركض تجاه المبنى الطيني ودفع بابه ودخل ... وقف في منتصف الصالة الطولية التي تطل عليها غرفتان صغيرتان .. واحدة تخص العينة وبخيت وتشاركهما فيها ( حبيبة ) التي تماثل بلقيس عمراً .. بينما خصصت الغرفة الاخرى لاستقبال الضيوف نهاراً ونوم عبد الرزاق وعبد الستار ليلاً ... كان يهم بالحركة عندما تناهت الى سمعه اصوات مبهمة تاتي من غرفة بخيت والعينة .. لم تكن واضحة بسبب الباب الموصد ... لكنه ميز بصعوبة صوت العينة المبحوح وهي تتاوه وتصرخ ... وفي لحظة صمتها يرتفع صوت بخيت الاجش وهو يتمتم بعبارات غامضة ... أخافته الأصوات وبدا عقله القاصر يتساءل عن السبب الذي يجعل بخيت يقدم على ضرب العينة ويؤلمها حتى تصرخ ... ركض فزعاً إلى الغرفة الاخرى ودلف من الباب الموارب على عجل .. اوقف اندفاعه اصطدام جسده الصغير بشبح يبدو كل ما فيه هائج ومتحفز ... كان عبد الستار ابن السبعة عشر عاماً واقفاً في منتصف الغرفة يتنصت على صرخات امه وهمهمات ابيه وكل شئ فيه يبدو غريباً .. اختفت من ملامحه الوداعة المعتادة وبدا كصقر جائع يبحث عن فريسة لينقض عليها تبادلا نظرات فزعة متفاجئة وبدأ المشهد غامضاً بسبب الاضاءة الصفراء الشاحبة التي تنبعث من لمبة صغيرة معلقة بسلك يتدلى بمحاذاة الحائط ... وقبل ان يدرك ابراهيم ما يحدث وجد يد عبد الستار التي تفوح منها رائحة نفاذة كريهة تغطي فمه وانفه وهو يجره تجاه سريره ... وفي لحظة بدأ الكابوس يجثم على ظهره بكل ثقله والمه وجموحه ... احس بانه يختنق .. وان روحه تتسلل منه بصمت .. وادخله الالم الحاد في غياهب اللاوعي ...
مرت فترة لا يعلم مداها .. وعندما استفاق كان لا يزال مستلقياً على بطنه يعتريه احساس مخيف بان عمود نار قد اخترق مؤخرته ... فتح عينيه بتعب لتصطدمان بوجه عبد الرزاق النائم باطمئنان في السرير المقابل وقد علت وجهه شبه ابتسامة ... كان ما حدث اكبر من قدرته على الاستيعاب ... وإجتاحته رعشة من الصمت المميت الذي اطبق على المكان ... لم تعد العينة تصرخ .. وتوقفت همهمات بخيت لم يعد هناك غير لون الظلام .. ورائحة الدم ...
عندما استطاع اخيرا ان يرفع راسه وجد عبد الستار جالساً بقلق على طرف السرير وهو يحمل قطعة صغيرة رطبة تبقعت بلون احمر قان ..كان يطويها ويفردها بحركات لا ارادية وعيناه الصغيرتان تدوران بخوف .. غادرته هيئة الصقر المتحفز وعاد الى وداعته المعتادة ... عادت اليه هيئة عبد الستار الذي يلاعبه ويحمله على ظهره جريا الى الدكان الصغير ليشتري الحلوى والالعاب ويساعده في استذكار دروسه وحفظ جداول الضرب وسور القرآن .. لقد استعاد شكله القديم .. شكل صديقه الذي يقوم بعقد الصلح بينه وبين عبد الرزاق عندما يتخاصما اثناء اللعب ... صديقه الذي يطلب منه ان يراقب شقيقته الصغيرة حبيبة عندما تغيب العينة اثناء ساعات خدمتها الطويلة في البيت الكبير ...

أحس بالم ممض عندما رفعه عبد الستار من السرير وطلب منه بهمس ان يتبعه الى الخارج ... خذلته قدماه ولم يستطع السير فاضطر عبد الستار لحمله حتى وصلا الى السور الشجري ... هناك انزله ببطء وجلس قبالته وهو يسنده بيديه وعيناه تنظران اليه بخجل وندم ...

- ابراهيم ؟؟ احنا اصحاب مش كدة ؟؟

اتت ايماءة الموافقة تلقائية وصامتة ..

- الحصل دة بيحصل بين الاصحاب لمن يكونوا بيحبوا بعض شديد ... مش انت عارف انا بحبك قدر شنو ؟؟ انا بحبك زي عبد الغفار وحبيبة ويمكن اكتر منهم كمان ... عشان كدة الحصل دة لازم يفضل سر بيننا انا وانت وبس ومافي أي زول تاني في الدنيا يعرفو ... اوعك يا ابراهيم تكلم زول والا حازعل منك وما حنبقى اصحاب ... وما حتلقى زول تاني يوديك الدكان ولا زول يذاكر ليك ويحل ليك الواجبات وحتبقى بليد في المدرسة وتطلع الطيش .. ولو امك وابوك عرفوا حيحبسوك في البيت الكبير وما حيخلوك تجي عندنا تاني .. ويمكن كمان السرة تحرش ود العمدة يطردنا من البيت لانها اصلاً ما بتحبنا .. انت عاوزهم يطردونا من البيت يا ابراهيم ؟؟؟


اتت هزة الرفض صامتة من الطفل الحائر المتالم .. كانت عينا عبد الستار مغروزتان في عينيه وهو يحشو راسه بمبررات قابلة للتصديق ... لماذا يكذب عليه صديقه ؟؟ ربما هو فعلا لعب لم يعتده لذلك احس بالالم .. ربما في المرة القادمة سيكون اقل الماً ...

حمله عبد الستار وقطع به مساحات الرعب حتى اوصله الى باب المطبخ الخلفي .. انزله برفق وهو يذكره بالكتمان ...
في تلك الليلة بدات اولى كوابيس ابراهيم واضطرابات نومه التي لازمته طيلة حياته .. عقب صلاة الفجر هرع حامد والسرة الى غرفة الفتى الصغير اثر صرخات هائلة اطلقها وهو يحاول محاربة الاشباح المرعبة التي غزت احلامه .. كان احدها يشبه عبد الستار وقد نبت له قرنان في مقدمة راسه واصبحت عيناه بلون الجمرة المتخلفة عن حريق الحطب تحت صاج الكسرة ..
عندما تحسس حامد جسده .. وجده يحترق بالحمى ... وفي الصباح غطت بثور ( الحصبة ) الصغيرة التي انتشرت في جسده على آثار اغتيال طفولته الذي تم ليلاً


 
 توقيع : بكري حاج احمد

مواضيع : بكري حاج احمد



رد مع اقتباس
قديم 03-08-2010, 12:22 PM   #9




الصورة الرمزية بكري حاج احمد
بكري حاج احمد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2770
 تاريخ التسجيل :  Mar 2009
 أخر زيارة : 04-23-2016 (10:24 PM)
 المشاركات : 3,204 [ + ]
 التقييم :  46
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
حاجة فيك
تقطع نفس خيل القصايد
تشده أجراس المعابد
توهتنى .. جننتنى
جننت حرف الكلام
لوني المفضل : Brown
افتراضي



الفصل الرابع

باقتراب موعد العرس ارتفعت حرارة الاستعدادات في حوش ود العمدة .. كانت جحافل النساء تغزو المكان دخولاً وخروجاً في كل الاوقات ... وترقّب سكان الاحياء المجاورة لحي ابوروف الموعد بلهفة .. كانوا يتوقون لحضور عرس آخر يذكرهم بما شهدوه في اعراس بنات ود العمدة السابقة ... بينما لم يعد احد يتذكر تفاصيل زواج ابراهيم من حبيبة ابنة بخيت والعينة الذي تم على عجل واقتصر على اقرب الاقربين .. لم يكن هناك حفل باذخ مثلما توقع الجميع لزواج الولد الوحيد في الحوش ... فبعد عقد القرآن المتواضع اخذ ابراهيم عروسه واختفى تاركاً جملة من التساؤلات والتكهنات عن سر هذا الزواج الغريب بين ابراهيم وهو من هو ... وحبيبة وهي من هي .. وانتشرت الشائعات عن وجود فضيحة محتملة كان لابد من سترها باسرع وقت ... وبدا الجميع في عد الايام لقدوم طفل حبيبة الاول حتى يتاكدوا من شكوكهم ... لكن ولادة فاطمة ابنة حبيبة البكر بعد سنة وثلاثة اشهر من زواجها دحضت الشائعة وجعلتها تنحصر في فرضية رفض السرة لهذه الزيجة والذي عبرت عنه صراحة بحزم امتعتها وسفرها الى القرية وبقاءها هناك لفترة طويلة بمرور السنين انمحت من الاذهان ذكرى هذا الزواج الباهت بينما بقيت صور زواج بلقيس وبسمة وبدور حاضرة بقوة ... كانت فرحة السرة لا توصف بزواج اولى حفيداتها .. فوزعت رسلها في كل مكان لتوجيه الدعوات والتاكيد على معارفها بالحضور ... اصبح حوش ود العمدة مهرجانا من الفرح المتواصل عندما اعلن حامد موافقته وانتشر الخبر فتوافدت جيوش المهنئين وبدات سلسلة من الطقوس التي ابدعت السرة في تنظيمها واخراجها ... حتى اول جلسة لرحمة في ( حفرة الدخان ) تحولت الى حفل مرتجل امتد الى ما بعد منتصف الليل ... وصار ايقاع ( الدلوكة ) موسيقى رسمية لا تنقطع في فضاء الحي ..
صبيحة يوم العرس فتحت الابواب على مصراعيها ووقف حامد في صدر المكان محاطاً باهله وجيرانه وهو يشرف على الذبائح التي نحرت بالجملة ... كان الصيوان الواسع يموج بحركة الاطفال المتراكضين هنا وهناك ... عمال ينظمون الطاولات والمقاعد ... آخرين يرفعون عقود الاضاءة لتثبيتها .. وفود من النساء تدخل وتخرج ... وبين الحين والاخر تتعالى زغرودة طويلة وتجاوبها اخرى بايقاع يهز القلوب ...
في غرفة بلقيس ارتمت رحمة بين ذراعي والدتها وهي تنتحب بصوت مكتوم وامها تحاول ان تتظاهر بالهدوء والحزم ...

- بس يا رحمة ... بطلي بكا .. انتي عاوزة عيونك تحمر وتورم وبعدين الناس تقول العروس مالا ؟؟ طيب وريني انتي هسة بتبكي ليه ؟؟ المفروض تكوني فرحانة .. مش محمود دة انتي الوافقتي عليهو وقلتي عاوزاهو ؟؟

رفعت رحمة وجهها الممتلئ بالدموع لدى ذكر رجلها الذي اختارته بعقلها ثم غزا قلبها .. وبصوت متحشرج سارعت تنفي عنه تهمة تسببه ببكائها...

- امي انا ببكي لاني ما متخيلة بعد يومين اقوم من النوم وما القاك انتي ومنال جنبي .. ما القى امي السرة وابوي حامد .. ما متخيلة اني اصحى في مكان غريب مع راجل غريب ... خايفة يمة ... خايفة شديد .. صحي محمود انسان طيب ومتدين والكل شهد ليهو بالاخلاق والاحترام ... لكن انتي قلتي لمن ابوي جا يتقدم ليك برضو كل الناس قالت ليكم انو زول كويس .. وانتي ما عرفتي عيوبو الا بعد ما خلاص بقى امر واقع ما منو مفر ...

تصاعد نحيبها مرة اخرى ...

- خايفة يمة بعد فترة محمود يبقى زي ابوي ويعذبني زي ما ابوي عذبك ...
على الفور تخلت بلقيس عن محاولتها التظاهر بالقوة والحزم ... احتضنت ابنتها بشدة وانهمرت دموعها كالسيل وهي تتذكر والد ابنتيها .. الرجل الذي تزوجته ارضاء لاهلها وتطلقت منه انتصارا لكرامتها بعد ان اذاقها صنوفا من الذل طيلة فترة زواجهما القصيرة التي خرجت منها حطام امراة..
كانت في التاسعة عشرة من عمرها وقد انهت للتو سنتها الجامعية الاولى بتفوق جعل والدها يطير فرحاً .. فبعد الخيبة التي لازمت ابراهيم في كل مراحل دراسته .. اصبح تفوقها مصدر فخر لاسرتها خصوصا بعد ان اعلنت بدور عن عدم رغبتها في مواصلة دراستها الجامعية وقررت الموافقة على الزواج من احد اقرباء والدتها عقب الانتهاء من امتحان الشهادة الثانوية مباشرة ...
بدات مأسآتها في الاجازة عندما قررت السرة اصطحاب بناتها لزيارة جدتهم المريضة في القرية التي تبعد مسافة قصيرة عن مدينة شندي ... كانت المرة الاولى التي يذهبون فيها جميعاً بعد الرحلة الحزينة التي تلت زواج حامد من نعمات منذ ثلاث سنوات عندما هجرت السرة منزلها وحزمت امتعتها وولدها الوحيد وبناتها الاربعة وعادت الى القرية لتؤجج مشاعر الغضب ضد حامد الغائب في شهر العسل مع عروسه ... رفضت كل محاولات الترضية والاصلاح ما لم يقم حامد بطلاق نعمات لكن عندما مرت خمسة اشهر دون ان ينفذ لها طلبها تغلب عليها حنينها لبيتها ولزوجها ولحياتها التي اعتادتها فابدت اشارة خفيفة عن رغبتها في العودة تلقاها حامد بلهفة واتي محملاً بكميات كبيرة من الحلى الذهبية والعطور والملابس لترضية الزوجة الغاضبة التي عادت وبداخلها احساس بالهزيمة والانكسار تمثل في كره شديد لضرتها ومحاولة دائمة للنيل منها...
في هذه الزيارة قررت بلقيس المنتشية بنجاحها ان تخلع رداء المراهقة وتظهر في مجتمع القرية بصفتها فتاة جامعية ناضجة .. لفت قامتها المربوعة بالثوب ورفعتها بالكعب العالي .. وضعت الكحل في عينيها مما اظهر جمال لونهما البني الفاتح .. ونثرت العطر بسخاء حول جسدها فبدت مثيرة ومختلفة عن بنات القرية اللائي يماثلنها سناً ولفتت اليها انظار الجميع ...
في عصر يوم غائم ايقظتها السرة من نومها بوجه يتهلل بشراً ..

- بلقيس ... يا بت يا بلقيس ... اصحي ... النوم الليك شنو زي المواعيد دي .. قومي عندنا ضيوف ..

كانت تهزها بعنف متجاهلة احتجاجاتها الناعسة

- عارفة برة في منو ؟؟ خالتك ( الزهوة ) مرة العمدة سعيد ... عارفاها جاية لشنو؟؟ عاوزة تخطبك لعبد العظيم ولدها ..

كانت الكلمات تندفع من فم السرة يرافقها رزاز من البصاق كما هو شانها في حالات الانفعال الشديد مسحت بلقيس وجهها براحة يدها وهي تتطلع الى امها بانزعاج شديد ...
- خطوبة شنو وعرس شنو ؟؟ انتي يا امي مش عارفة رائيي في الموضوع دة ؟؟ مش السنة الفاتت لمن جاني ولد صاحب ابوي يخطبني رفضت وقلت ليكم عاوزة اكمل دراستي واني ما حتزوج الا بعد اخلص الجامعة ؟؟ مش انتي وابوي قلتوا لي على كيفك وما حنجبرك ؟؟ ليه ما قلتي للناس ديل طوالي انو انا لسة بدري علي لغاية ما اخلص الجامعة وافكر في العرس ؟؟

ضربت السرة صدرها بيدها واتسعت عيناها استنكاراً ...

- سجمي يا بلقيس .. عاوزاني اقول للزهوة بت العمدة ومرة العمدة انو لسة بدري عليك ؟؟ بدري عليك لشنو ؟؟ انتي قايلة روحك صغيرة ؟؟ انا لمن كنت في عمرك كانوا عاقدين علي وبستعد للعرس ... واهي بدور الاصغر منك عرست وعلى وش ولادة ... وبعدين انتي لمن رفضتي العريس الجاك اول داك ما قلنا شئ ووافقناك على كلامك لانو ما كان شيتاً نتحسر عليهو والزيو كتار ... لكن عبد العظيم ولد العمدة سعيد دة الما بترفض .. اصل وفصل .. حسب ونسب .. قرش وجاه .. بنعرفو لغاية جدود جدودو عيلة تمام ما فيها شق ولا طق .. يا بت انتي ما عارفة انتي محظوظة قدر شنو لانو اختارك دوناً عن بنات الفريق كلهم ... تعرفي دة لو مشى لاي بيت من هنا لشندي بيدوهو بقلب قوي..
وفجاة اصبح رايها هامشيا ولا يعتد به ... وافق الجميع وباركوا وابتهجوا ..حتى والدها الذي كانت تعتمد على دعمه في الوقوف بجانبها لرفض هذه الزيجة .. اتي مسرعا بامر من والده الذي اعطاه العمر الطويل سطوة ومهابة .. وبرغم تنازله عن لقب العمدة لابنه الاوسط ( بله ) الا انه ظل صاحب الكلمة الاولى والاخيرة في كل الامور ..


 
 توقيع : بكري حاج احمد

مواضيع : بكري حاج احمد



رد مع اقتباس
قديم 03-08-2010, 05:12 PM   #10




الصورة الرمزية بكري حاج احمد
بكري حاج احمد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2770
 تاريخ التسجيل :  Mar 2009
 أخر زيارة : 04-23-2016 (10:24 PM)
 المشاركات : 3,204 [ + ]
 التقييم :  46
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
حاجة فيك
تقطع نفس خيل القصايد
تشده أجراس المعابد
توهتنى .. جننتنى
جننت حرف الكلام
لوني المفضل : Brown
افتراضي



لم تستطع الصمود في وجه الضغوط التي حاصرتها ليلاً ونهاراً .. خاصة بعد ان حضر العريس شخصيا وطلب الجلوس معها بحضور اسرتها .. احست امام طوله الفارع بضآلة حجمها .. وعندما صافحها كانت قبضته قوية ومسيطرة ... كان رجلاً يعرف ميزاته ويستمتع بعرضها.. برغم وسامته الظاهرة .. الا ان فيه شيئا لم تستطع تحديده اثار نفورها .. قطع كل حججها بعد ان تعهد امام الجميع بتركها تواصل دراستها الجامعية واستعداده للاستقرار في العاصمة اكراما لخاطرها وحتى تظل قريبة من اهلها .. وقبل ان تعود اسرة ود العمدة الى منزلها .. تم عقد القرآن وسط مظاهر فرح وبذخ لم تشهدها القرية منذ زواج السرة وإبراهيم ...
طارت الايام وهي ترجوها ان تتمهل .. وبعد شهر ونصف من عقد القرآن كانت تزف الى عبد العظيم .. الى رجل غريب لا تعرف عنه شيئاً ..كان شهر العسل هو بداية رحلة العذاب التي استمرت حتى نهاية الزواج القصير ... كانت معلوماتها عن العلاقة الخاصة بين الرجل والمراة قليلة وسطحية حصلت عليها من صديقاتها المتزوجات بالجامعة وكتب قرأتها خفية وعلى استحياء لتتعرف على اسباب مشاكلها الصحية التي بدات مع وصولها الى مرحلة البلوغ ... لم تكن مهيأة لطلبات عبد العظيم الشبقة ولا خبرته العميقة بعالم النساء .. في اول ليلة لهما معا دفعها خوفها للتعلل بالتعب ورغبتها في النوم بعد عناء النهار الطويل حتى تتفادى أي تواصل حميم بينهما .. كان نومها قلقاً متقطعا ً .. استيقظت منه مذعورة قرابة الفجر على ملمس شئ رطب يتجول ما بين وجهها وعنقها ...
فتحت فمها لتبدا بالصراخ لكن عبد العظيم اغلقه بشفتيه في قبلة طويلة انقطعت معها انفاسها .. حاولت ان تتملص من الهجوم العنيف لكن يبدو ان حركاتها المقاومة وهي ترزح تحت ثقل جسده الضخم جعلته يزداد ضراوة واصراراً ... وفي لحظات تحول قميصها الابيض الناعم الى قطع متناثرة ظل بعضها معلقاً بجسدها وتناثرت البقية على الارض .. توقف عبد العظيم عن هجومه وهو يطل عليها من عل متاملاً بعيون لامعة جسدها شبه العاري المصبوغ بلون البرتقال الناضج .. ابتسم برضا وبدا يحدثها همساً بغية تطمينها وازاحة نظرة الرعب المرتسمة على ملامحها ..
- تعرفي يا بلقيس .. انتي حلوة شديد .. انا ما كنت قايلك حلوة للدرجة دي ... اول ما جيتي البلد حكوا لي عنك لغاية ما اصريت اشوفك .. ومن اول لحظة قررت انك تبقي حقتي ..
جفلت بلقيس من جملته الاخيرة ... وحاولت جذب الغطاء لستر نفسها لكنه قبض عليه بيد بينما اتكا بالاخرى على جنبه وعيناه تقومان بعملية مسح كامل لجسدها المسجي امامه بلا حول ولا قوة .. وواصل همسه المحموم ..
- انتي عارفة لو ما كنت عرستك كنت جنيت .. ما عاوزك تخافي يا بلقيس .. سلميني نفسك بس .. انا عارف انو ما عندك خبرة برغم انك قاعدة في العاصمة ومشيتي الجامعة انا سالت عنك في كل مكان .. واكتر شئ عجبني انك بت خام وانا حكون الاول في أي شئ ..
خرجت ضحكته متحشرجة من فرط الاحاسيس التي تعتمل في صدره .. وبدا يفقد السيطرة على حركات يديه فانطلقت تجوب الجسد المتخشب بجراة وحرية ... كانت لمساته خبيرة ... متأنية .. شعرت بها احيانا رقيقة كلمسة الفراشة .. واحياناً مؤلمة ولاسعة كقرصات النحل ..
بدأ جسدها المتشنج يلين ويسترخى تحت تاثير الكلمات الناعمة واللمسات التي تعرف مكامن الاسرار ودخلت في مرحلة خدر لذيذ وانتابتها مشاعر لم تشعر بها قبلاً ... كانت قد بدات تستسلم للمتعة الغامضة عندما سمعت صرخة الاستنكار الصادرة من زوجها ... أحست كانها في بئر عميق وجاهدت كي تطفو على سطح وعيها مجدداً .. تحولت الكلمات الهامسة الى سيل من اللعنات جعلتها تنتفض مذعورة وتعود الى تشنجها .. رفعت رأسها بدهشة وهالها منظر زوجها .. كان ضوء الفجر الشاحب قد تسلل من النافذة وانعكس على ملامحه التي ارتسمت عليها تقطيبة حادة .. وتحول لون بشرته الذهبي الى لون داكن غير مميز ... تصلبت عضلاته وجمدت حركاته وهو ينظر اليها بغضب شديد ... وقبل ان تستطيع سؤاله عما حدث كان قد هب واقفاً .. ارتدى ملابسه على عجل .. وغادر الغرفة دون كلمة واحدة تبدد حيرتها وتهدئ خوفها ...
عادت بلقيس الى الحاضر بارتعاشة قوية من جسد ابنتها المستكين بين ذراعيها ... فاحتضنتها بقوة ثم افلتتها وهي تسمح دموعها بيد حنونة وانخفض صوتها حتى صار اقرب للهمس ..

- ما تخافي يا رحمة .. مستحيل محمود يكون زي ابوك ولا يعمل العملو ابوك .. احنا في زمن مختلف وظروف مختلفة ... محمود ولد متدين وبيخاف الله .. وفوق دة كلو بيحبك وبيحترمك .. وانا لو ما اتاكدت من الحتة دي مستحيل كنت حوافق انك تعرسيهو ... وبعدين انا حاسة انو انتي كمان حبيتيهو برغم نكرانك للشئ دة ... وعشان اكون حقانية يا رحمة في حاجة لازم تعرفيها .. فشل زواجنا انا وابوك ما كان هو براهو السبب فيهو .. انا كمان كان لي دور في الشئ الحصل .. يمكن دور ما اخترته بارادتي واتفرض علي غصباً عني لكن في النهاية النتيجة واحدة ... يا بتي انتي مختلفة عني وبالتاكيد تجربتك حتكون مختلفة عن تجربتي .. انا دخلت الحياة الزوجية وكنت صفحة بيضاء ما فيها أي شئ ... لكن انتي داخلاها وصفحتك مليانة ... انا وريتك وشرحت ليك وفهّمتك ... والما قدرت اشرحو ليك .. جبت ليك كتب عشان تقري وتعرفي .. انا لمن جيت اعرس كل القالتو لي حبوبتك السرة حاجتين .. خليك دائما نضيفة .. خليك دائما مطيعة .. بس وبدون زيادة .. ودخلت العالم دة وانا شبه جاهلة شنو الطريق الممكن يوصلني لبر الامان .. لكن يا رحمة انتي ماشة وانا محفظاك كل الطرق ... كنت عاملة حساب اليوم دة عشان كدة من يوم ما ولدتك ما اعتبرتك بتي .. اعتبرتك صاحبتي ... حتى لمن كنتي طفلة في اللفة كنت باحكي ليك كل حاجة وباشاورك في كل شئ .. كنت باشكي ليك همومي وباضحك معاك ساعة فرحي ... وعمري ما ختيت حاجز الامومة والبنوة بيني وبينك لاني ما عاوزاك تفشلي زي فشلي ... ومن هسة باقول ليك عمرك ما تخجلي مني .. أي حاجة ما تعرفي تتصرفي فيها اول ايام اساليني وانا بوريك .. لكن كمان في المقابل حاطلب منك طلب .. اوعك تحكي لاي زول مشاكلك الخاصة شديد مع راجلك مهما كانت صغيرة ولا كبيرة .. أي مشكلة تحصل ليك ما تطلع من باب اوضة نومك لانو تدخل الاهل بيزيد المشاكل .. فهمتي ؟؟
احتضنتها مرة اخرى ثم ابعدتها عنها وهي تتامل ملامحها الجميلة التي ورثت معظمها من والدها ... ابتسمت لها ومسحت بقايا دموعها باطراف اناملها ثم امرتها بحزم...

- يلا قومي غسلي عيونك بموية باردة وابدي اجهزي عشان تمشي الكوافير .. رسلي أي زول يفتش اختك .. اكيد محشورة عند ناس رجاء .. البت دي تقول انا دفنت صرتها هناك .. بس ما تلقى فرقة الا تشيل رجلينها وتجري عندهم .. شوفوا منو من بنات نعمات عاوزة تمشي معاكم وما تنسي بنات خالك ابراهيم انتي عارفاهم معقدين خلقة ولو ما كلمتيهم حتبقى مشكلة .. اطلعي واقفلي لي الباب دة وراك عاوزة ارقد شوية ... ولو أي زول سال مني قولي ليهم امي عندها صداع وما تزعجوها ... انا بعد شوية بطلع ..

نظرت رحمة الى والدتها بحب كبير .. قبلتها في جبينها ثم خرجت واغلقت الباب خلفها .. بعد رحيلها جلست بلقيس وحيدة في غرفتها وهي تجاهد لابعاد شبح الذكريات المريرة .. لكن يبدو ان الدوامة التي بدات خلسة اصبحت اقوى بمرور الدقائق ولم يعد لها القدرة على مقاومة الانجراف والسقوط في اعماقها حتى القاع ...
صبيحة زواجها غاب عبد العظيم طيلة النهار ..كانت تشعر بالخوف والالم والجوع لكنها لم تجرؤ على طلب خدمة الغرف ..كل ما فعلته هو الاستحمام وتبديل قميصها الممزق ثم الجلوس والتفكير فيما حدث .. ظلت ساعات طويلة تحدق في الباب وهي تامل دخول زوجها ليخبرها ما الخطا الذي ارتكبته ... كان الوقت يتمطى ببطء حقود ... فكرت في الاتصال بامها .. لكن ماذا ستخبرها ؟؟ بأن زوجها هجرها في ليلة زفافها ؟؟ اذا انتشر الخبر سوف تصبح فضيحة مدوية لها ولاسرتها .. كيف ستواجه ابيها ؟؟؟ لابد انها اخطات في شئ ما .. لابد انها فعلت او قالت شيئاً اغضبه .. كانت تحفر عقلها باصرار حتى تتذكر احداث الفجر الغريبة ... لكن معظم ذكرياتها كانت مطموسة ومشوشة وتشعرها بالخجل .. ربما هي قلة خبرتها ؟؟ ربما لانها رفضته وتعللت بالتعب لتتهرب منه في بداية الليلة ؟؟ غلبها النوم وهي متقرفصة في الكرسي الضخم المواجه للسرير ... استيقظت فزعة على وقع خبطة قوية فقفزت حتى كادت تسقط ارضاً... كان زوجها يقف في فتحة الباب مترنحاً بعينان دمويتان ... كانت ملابسه متسخة ومجعدة .. ملامحه مجهدة وجامدة ... اقتربت منه بحذر ..

- عبد العظيم ؟؟ انت كنت وين ؟؟ مشيت وين وخليتني براي الوقت دة كلو ؟؟ في شنو ؟؟ انا عملت ليك شنو زعلك مني ؟؟

خطا خطوة الى الداخل واغلق الباب بكعب حذاؤه .. تقدم نحوها بمشيته المهزوزة والكلمات تخرج من فمه ثقيلة ..

- كنت في السما الاحمر ... مشيت في ستين داهية ..

كانت تتراجع خلفاً وقد ازداد خوفها من اسلوبه ومظهره .. ورائحته ..

- عبد العظيم ؟؟ انت سكران ؟؟

- ايوة سكران ... عندك مانع ؟؟
تعثرت خطواته المترنحة بطرف السجادة المفروشة على الارض وكاد يسقط .. فسارعت اليه بيد ممدودة لتساعده لكنه نفضها عنه بقسوة ونظر اليها شزراً ... ابتعد عنها وارتمى على طرف السرير وهو ما زال مرتدياً حذاؤه ... ومنذ تلك اللحظة بدا يمارس هوايته المفضلة بصب قطرات الاسيد الحارق على روحها ...

- تعرفي يا حرمنا المصون انك طلعتي صفقة خسرانة ؟؟ بضاعة مغشوشة ؟؟


 
 توقيع : بكري حاج احمد

مواضيع : بكري حاج احمد



رد مع اقتباس
قديم 03-08-2010, 05:22 PM   #11


ضيف غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 4372
 تاريخ التسجيل :  Feb 2010
 أخر زيارة : 04-04-2010 (03:46 PM)
 المشاركات : 6 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Brown
افتراضي



الاسلام عليكم ورحمة الله اول مشارك ارد عليها ياخ بكري فعلا ربنا يحفظ الانامل


 

رد مع اقتباس
قديم 03-09-2010, 09:10 AM   #12




الصورة الرمزية بكري حاج احمد
بكري حاج احمد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2770
 تاريخ التسجيل :  Mar 2009
 أخر زيارة : 04-23-2016 (10:24 PM)
 المشاركات : 3,204 [ + ]
 التقييم :  46
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
حاجة فيك
تقطع نفس خيل القصايد
تشده أجراس المعابد
توهتنى .. جننتنى
جننت حرف الكلام
لوني المفضل : Brown
افتراضي



الفصل الخامس


تهادت رحمة بفستانها االابيض يتبعها ذيله الطويل على طول الممر المفروش بالسجاد الاحمر ... بدت فاتنة بطولها الفارع وتقاطيعها الجميلة ونظراتها الحالمة .. بين ذراعيها استكانت باقة ورد ناصعة ومزينة بشرائط زهرية لامعة ... تعلقت يدها بيد زوجها الفخور الذي بدت سعادته واضحة في الابتسامة الطفولية الجذلة .. بينما تابعته نظرات الفتيات وهن يتهامسن على اناقته الملفتة ... فقد بدا كأحد فرسان العصور الوسطى ببذته السوداء التي تضارب لونها مع قميصه الابيض والفراشة الحمراء التي تزين عنقه و يتماشى لونها مع حزام الستان العريض في خصره ...
تقدم الموكب صبي صغير يحمل مصحفاً وضع في وسادة من المخمل الاحمر ... تبعته قافلة من الصغيرات اللائي قمن بنثر اوراق الورد على طول الممر لتطاها اقدام الفتيات الاكبر سنا وهن يحملن الشموع البيضاء المزينة بالشرائط الزهرية ... ومن خلف رحمة كانت الاشبينات يدرن كالفراشات وقد احتار الناظرون اليهم في تحديد ايهن اكثر جمالا من الاخرى ... كان همس الحرير يتطاير حول اجسادهن المغرية في فساتين زهرية ناعمة وتكللت رؤوسهن بتيجان من الورد الطبيعي بنفس اللون ... تعالت الزغاريد وبدات موسيقى هادئة تعزف الحانها ووقف معظم الحضور حتى يحظى بمتابعة اوضح للموكب الفخم المتقدم ببطء في الممر الطويل ... من بعيد ظهر حامد ود العمدة وهو يسير برصانة الملوك .. احتضن العريس مهنئاً وقبل حفيدته في جبينها بحنو .. من خلفه وقفت بلقيس بهيئتها المتناقضة ... كانت دموعها تسيل بغزارة في وجه علته ابتسامة مشرقة كضوء الشمس اطلقت زغرودة طويلة بدت وكانها سوف تستمر للابد .. ثم احتضنت ابنتها في عناق قوي استغرقت منال وقتا كي تفصمه وهي تهمس في اذن امها ...

- امي .. فكيها عشان التسريحة ما تخرب ... وما تبكي عشان عشان رحمة حتبكي معاك وتبوظ المكياج ...
عندما وصل الموكب اخيرا الى (الكوشة) الفخمة ..كانت عينا رحمة تدوران بقلق وهي تتامل الحضور بحثا عن وجه بعينه ... عندما اعيتها المحاولة مالت على امها التي تمسك يدها بقوة وهي تسالها ..

- امي ؟؟ حبوبة السرة وينا ما شايفاها ؟؟!! ...

ردت بلقيس بخفوت وهي تتلقى سيل التهاني ...

- حبوبتك تعبت شوية ... اليوم كان طويل عليها وانتي عارفة صحتها ما بقت تستحمل قالت بترتاح حبة وتطلع ..

ظهر الفزع على ملامح رحمة وعلا صوتها بدون وعي وهي تخاطب امها ...

- حبوبة تعبانة وما شافتني لمن دخلت ؟؟ تعال يا محمود ارح جوة نسلم على حبوبة ..

ووسط دهشة الحضور امسكت رحمة بيد زوجها وهي تشق الجموع الى الباب الكبير المؤدي الى المنزل تتبعها بلقيس وهي تقديم التبريرات لتصرفات ابنتها ...

- ماشة تسلم على حبوبتها عشان ما قدرت تطلع تشوفها ...

كانت تلتفت خلفا بانزعاج وهي تبحث عن ابنتها الاخرى ..

- تعالي يا منال ارفعي فستان اختك عشان ما يت************ ...

على سرير في منتصف الباحة الخلفية بدت السرة المستلقية وهي تتامل النجوم بصمت وغارقة في خيالاتها كأنها في عالم آخر ... انتبهت على صوت الزغاريد والضجة المصاحبة للعروس .. ابتسمت بفرح وهي ترى حفيدتها تتقدم نحوها مسنودة بيد زوجها ونظرات القلق تملا عينيها ..

- حبوبة مالك ؟؟ سلامتك ... صحي تعبانة ؟؟

نهضت السرة وغطت راسها بثوبها واطلقت زغرودة عالية ثم احتضنت حفيدتها وانحدرت دموعها وهي تردد ...

- ما شاء الله تبارك الله .. الصلاة على النبي .. بتي القمرة عروس ؟؟ يا ولد يا محمود تخت رحمة دي جوة عيونك .. دي الغالية بت الغالية .. واوعى يوم تجي تشتكي لي منك ..

تحلّق الجميع حول سرير السرة التي اقنعت حفيدتها انها بخير وطلبت منها الخروج حتى يبدا الحفل وما ان غاب الموكب عن انظارها حتى دست يدها تحت الوسادة واخرجت علبة صغيرة تناولت منها لفافة تبغ رفيعة .. وضعتها على شفتيها باحتراف .. مالت وهي تحجز شعلة اللهب الصغيرة المتراقصة من تيار الهواء ... امتصت نفساً عميقاً حتى توهج طرف اللفافة ثم عاودت الاستلقاء على ظهرها ومراقبة النجوم ... لقد اعادتها فرحة رحمة الى ذكرى اخرى بعيدة ذكرى فرحتها وهي تزف الى حبيبها ابراهيم ... اخرجت الدخان من فمها ونفثته في الجو فتعالت حلقات متراصة تتسع كلما صعدت الى اعلى حتى تتلاشى مع هبات النسيم ... ابتسمت السرة بسخرية فقد كانت الحلقات الدخانية تشبه حياتها تماماً ... الان لم تعد تهتم بما آلت اليه ايامها .. فقد اصبحت كل اللحظات متشابهة ومكررة للحظات عاشتها قبلاً ... لحظات عاشتها بعمق ... صادقت فيها حزنها وتجاوبت مع فرحها ... تجاوزت الصعاب وتخطت الاحباطات ... هادنت الالم وتغلبت عليه .. كانت دروس مهادنة الالم هي الاصعب والاكثر قسوة لانها بدات باكراً ...

تذكرت صباحا شتويا دافئا تدثرت فيه بفانلة الصوف وهي ترسم خطوط لعبة ( الحجلة ) بعود صغير على ارض الحوش الجافة تناوبت بعدها هي وشقيقاتها الاكبر سناً في رمي الحجر ومحاولة تمريره من مربع لآخر وهن يقفزن بقدم واحدة ...كانت في منتصف اللعبة عندما اتت والدتها واقتلعتها من وسط ضجيج اللعب دون ان تابه لاحتجاجها ... ادخلتها غرفتها حيث ( الطشت ) الملئ بالماء الساخن .. فركت جسدها الصغير بالصابون المعطر ... جففتها وجدلت لها شعرها الطويل الكثيف ... البستها قميصاً جديدا زاهيا ... واقتادتها الى غرفة الضيوف المحرمة عليهم في الاحوال العادية ... احست ابنة السابعة بالحيرة .... وسرعان ما تحول احساسها الى الم حاد وصرخات مذعورة اطلقتها بينما كانت الداية تقتطع لحمها بحضور امها المراة القوية التي لقنتها في ذلك اليوم اول دروس مهادنة الالم وهي تهمس في اذنها...

- اسكتي يا بت ... اقفلي خشمك دة واوعاك تتعودي على الصريخ ... المرة التمام ما بتكورك ولو اكلت الجمر ... صوتك دة ما يطلع برة ابدا فاهمة ولا لا ؟؟

لم يتوقف صراخها ... لكنه انعكس واصبح موجه الى داخلها ... لم تعد تصدر صوتا ... بينما امتلات اعماقها بضجيج الالم ... كانت طفلة تضج بالحياة ... ممتلئة القوام بوجه مستدير كالقمر .. وشعر اسود طويل وكثيف .. عيون سوداء لامعة ولون مائل الى السمرة ولكنه يجافيها ... عندما بلغت العاشرة تجدد موعدها مع الالم ... لكن هذه المرة حرصت امها على تهياتها نفسياً لاستقبال ما هو آت ... حفزتها بكلمات مبهمة عن مدى اهمية هذا الطقس ودوره في ابراز جمالها ونقلها من دنيا الاطفال الى عالم النساء ...يبدو ان المها والشتاء كانا على وفاق ... فقد كان البرد قارساً .. وعندما اشتكت من حدته لامها نهرتها قائلة ...
- البرد احسن عشان الجرح يبرا سريع وما يحصل ليك شئ ...


 
 توقيع : بكري حاج احمد

مواضيع : بكري حاج احمد



رد مع اقتباس
قديم 03-12-2010, 11:46 AM   #13




الصورة الرمزية بكري حاج احمد
بكري حاج احمد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2770
 تاريخ التسجيل :  Mar 2009
 أخر زيارة : 04-23-2016 (10:24 PM)
 المشاركات : 3,204 [ + ]
 التقييم :  46
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
حاجة فيك
تقطع نفس خيل القصايد
تشده أجراس المعابد
توهتنى .. جننتنى
جننت حرف الكلام
لوني المفضل : Brown
افتراضي



كانت ( الشلاخة ) عجوز شامخة مشهورة بدقتها ومهارتها في قريتهم والقرى المجاورة ... تتميز بوجع مفلطح عريض لامع السواد احتل الانف الافطس مساحة كبيرة منه .. عيناها صغيرتان كحبات الخرز .. ومن اطراف المنديل الابيض المربوط باحكام على راسها ... ظهرت مقدمة شعرها خشنة ومبرومة كحبات الفلفل الاسود ... عندما تتحرك تتبعها موجة من روائح المحلبية المختلطة برائحة اخرى لم يستطع انفها الصغير تمييزها ...
في ذلك اليوم لم تستطع التمسك بنصيحة امها ... وهزت صرخاتها فضاء البيت عندما شرعت الشلاخة في شق خدودها بموس حاد ... بدات بالخد الايمن فرسمت فيه ثلاث خطوط طولية عميقة ثم انتقلت الى الخد الايسر لترسم شبيهتها ... حاولت ان تتملص وتفلت من الالم الذي مزقها لكن مساعدات الشلاخة القويات قمن بتثبيتها حتى خارت قواها ... لحظتها تمنت الموت حتى تتخلص من الالم ... عندما انتهت العملية غسلوا لها جروحها ووضعوا عليها قطع قطن مشبع بالمحلبية والقطران ظل الالم يلازمها قرابة الشهر عانت فيه ما عانت من حمى وهذيان .. تورم وجهها حتى صار كالبالون ... عافت نفسها الاكل وحرمت حتى من نعمة البكاء كي لا تنزل دموعها المالحة على جروحها المفتوحة وتزيد المها ... لم تنظر الى وجهها في المرآة الا بعد مرور شهرين واحست بسعادة غامرة عندما وجدته مزيناً بشلوخ عريضة ... عميقة ومنتفخة ... نسيت معاناتها السابقة واصبحت تتباهى بشلوخها المتقنة بين قريناتها .
عندما بلغت الخامسة عشرة كانت قد اصبحت امراة مكتملة الانوثة ... ووقتها سمعت لاول مرة جملة ( ابراهيم للسرة والسرة لابراهيم ) وانتفض قلبها طرباً لفكرة الزواج من ابن عمها الامين عمدة القرية ... كان يكبرها بثلاث سنوات ... تميز عن اخوانه بوسامة ظاهرة وذكاء حاد ... وبعد ان انهى دراسته الثانوية توقع الجميع ان يتفرغ لادارة تجارة ابيه الواسعة خصوصا بعد ترشيحه لمنصب العمدة خلفا لوالده بحكم انه اكبر الاولاد ... لكنه فاجا الجميع بقرار دخول الجامعة في العاصمة ... انقبض قلب السرة عندما سمعت بقراره ... انتابتها الهواجس وملات عقلها الوساوس خوفا من ان يغير ابن عمها رايه من الزواج بها اذا ما عاش في العاصمة ووجد اخرى تنسيه ابنة عمه القروية لكنه بدد مخاوفها وكان وفيا لارتباطه بها ... وعند عودته في اجازاته الدراسية التي كانت تمر بسرعة البرق .. كان يجلب لها الهدايا ويغمرها بالاهتمام ... اكمل دراسته بعد اربع سنوات مرت عليها كالدهر وجعلتها تزداد تعلقا به الى درجة مخيفة ... لقد احبته بكل جوارحها ومشاعرها البكر واختزل بوجوده كل الرجال ... بعد تخرجه عقد قرآنه عليها وامهلها سنة حتى تتهيا للزواج ....
في التاسعة عشرة كانت قد اصبحت من اجمل بنات القرية .. اكمل وجهها استدارته واصبحت شلوخها اعمق وادكن ... ظهرت اشراقة الحب جلية في ملامحها وحركاتها ... توزع امتلاء جسدها بشكل مغر ... نفر صدرها معلنا عن وجوده بافصح الطرق ... تضمر خصرها وبرزت خلفيتها بصورة جعلتها موضع حسد الكثيرات اللائي يتهامسن ما ان يرينها عند ظهورها في أي مجتمع ( السرة ام صلب جات ) ...
بدات طقوس الانتقال من عالم البنات الى دنيا النساء بكل حماس ... كانت تجلس في حفرة الدخان بالساعات الطوال حتى تفحم لونها وصار بسواد الشملة التي تتغطى بها ... جدلت شعرها الطويل في ضفائر صغيرة بعد ان اغرقته بدهن ( الكركار ) .. خاصمت الكحل الذي تعشقه ... واعتزلت الخروج من المنزل مهما كانت الاسباب ...
وقبل موعد العرس بثلاثة اشهر جددت عهدها مع الالم عندما خضعت لوشم شفتها السفلي ايذانا بانتقالها النهائي الى مجتمع النساء المتزوجات ... كتمت انفاسها بينما كانت الابر الصغيرة الحادة تغرز بسرعة وحرفية ... اغمضت عينيها حتى لا ترى الدم المندفع برغم طعمه الذي ملا فمها ... حاولت ان تلهي نفسها عن التفكير فيما يحدث لها بالغرق في تذكر حبيبها ولقاءتهما الخاطفة عند حضوره الى منزلهم ... نظراته الواعدة ولمساته المختلسة عندما يضمن اختفاء الاعين المراقبة ... كانت تتوق ليوم زواجهما .. وتتلهف كي يصبح كل منهما ملك للاخر ...
عندما انتهى الوخز المؤلم مسح الدم بقطعة نظيفة وذر نبات النيلج على شفتها المتقرحة التي تورمت حتى احست بانها تحمل شيئا غيرها في وجهها .. وكان الالم رهيبا خصوصا عندما تحاول شرب الماء .. فقط الغوص في خيالها مع ابراهيم كان يخفف المها ويجعلها تحتمل كل ما تمر به ليقينها بانها تفعله من اجله .. وكي تكون جميلة امام عينيه ...
في يوم العرس كان قلب السرة يتقافز في صدرها كقطة مشاغبة ... استيقظت فجرا وظلت في سريرها ساكنة ... تفكر ... وتحلم ... وعندما بدات الشمس تنشر ضياءها اصبح المكان حولها كخلية نحل .. لكنها ظلت مسجونة داخل الغرفة المظلمة ولا يسمح برؤيتها الا للمقربون .. كانت تتامل بدهشة وفرح نقوش الحنة السوداء التي رسمت باتقان من اطراف اصابعها وحتى منتصف ذراعيها ومن اصابع قدميها حتى منتصف ساقيها .. جسدها الذي توالت عليه ابخرة حطب الشاف والطلح والكليت والهبيل ... اكتسب نعومة مذهلة خصوصا بعد جلسات الفرك بعجينة ( اللخوخة ) المخلوطة ببودرة الكركم وقشور البرتقال المجفف المطحون والتي كانت تتم صبحاً ومساءَ على ايدي خادمات قويات ... بدا ضجيج الخارج بعيدا عنها وهي سارحة في امنياتها وخيالاتها .. مرت ساعات اليوم كالبرق وما ان مالت الشمس نحو الغروب حتى اتت امها وخالاتها وهن يحملن الصناديق الخشبية المشغولة بالاحجار الملونة والاصداف وبدات طقوس التزيين وارتداء الملابس المرهقة ... تولت شقيقاتها تعطير كامل جسدها بزيت الصندل حتى صار لامعاً متوهجاَ .. عطراً ... واحست بوخزات مؤلمة عندما شُد رباط ( الرحط ) حول خصرها باحكام لينزلق فوقه فستان الستان الاحمر القصير... صففت خالتها شعرها الطويل وتركته منسابا خلف ظهرها ليغطي خلفيتها المتوثبة ثم وضعت فوقه ( الجدلة ) المنضومة من جنيهات الذهب الخالص .. من اذنيها تدلت ( الفدو ) الضخمة .. وامتدت (الرشمة ) من خلف اذنها حتى انفها ليصبح وجهها المستدير بشلوخه العميقة مضيئاً بانعكاسات لون الذهب والستان الاحمر ..
تغطى صدرها الناهد ( باللبة ) الكبيرة المتوارثة في العائلة منذ اجيال .. وكاد عنقها ينحني من ثقل عقود ( القصيص ) و ( الفرجلات ) ... تراصت عشرات الاساور على يديها وأحاطت ثعابين ذات عيون حمراء لامعة بأعلى ذراعيها ... على الساقين وضعت ( حجول ) كبيرة اظهرت جمالهما وزاد الكحل الاسود عينيها عمقا واتساعاً ... وبعد انتهاء طقوس ارتداء الملابس والزينة احضرت احدى شقيقاتها ( مبخر ) ملتهب الجمرات ووضعت فيه قبضة من اعواد خشب الصندل المعطر ووقفت السرة فوقه بصبر حتى تشبعت به واصبحت رائحتها مزيج مثير يشاغب الخيال ويلهب المشاعر .. اخيراً لفت قوامها بثوب حـريـري احمـر مزين بـورود ذهبيـة لامعـة .. تغطت ( بالقرمصيص ) وتهادت في مشيتها مصحوبة بالزغاريد وأدعية الحفظ من امها وخالاتها .. وتنافست طلقات الرصاص المحتفية بمقدم العروس .. كانت تتقدم بخطوات بطيئة ومدروسة حتى وصلت الى المكان المعد لجلوسها مع زوجها .. عندما رفع ابراهيم ( الفركة ) عن وجهها احست باحتباس انفاسه فنظرت اليه بخجل ... كان يبدو رائعاً بطوله الفارع الملفوف في ( توب السرتي ) بلونيه البيج والاحمر ... توسط جبينه العريض هلال ذهبي مربوط بقطعة من المخمل الاحمر ... احست بدقات قلبها تتصاعد في اذنيها .. واصابها دوار خفيف جعل بقية احداث الليلة مشوشة ... تتذكر منها لمسة ابراهيم على فخذها عندما همَ بقطع شعرات الرحط المربوط على خصرها ... كانت لمسة خاطفة اشعلت النار في حواسها المرتعدة ووعدتها بالكثير ..جعلتها تهيم في عالـم آخـر فاصبحت طقوس ( الجرتق ) كانها حلم افاقت منه على رذاذ اللبن الذي رشه ابراهيم بسخاء على وجهها ..
بدا الحفل بغناء حماسي رفرفت له القلوب وارتفعت العصى والسيطان عالياً ... اغمضت عينيها خوفاً وهي ترى حبيبها ينهال ضربا على ظهور اخوانه واقرباؤه واصدقاؤه المتلفحين بشجاعتهم وصمودهم امام لسعات (سوط العنج ) اللاهبة وهي تصلي الجلود العارية .. حتى حامد شقيق زوجها الصغير وقف بشجاعة متحملاً الضربات التي مزقت جلده الغض بلا رحمة ... ارتفعت حرارة المشاركة وزادت الحماسة عندما تعالت زغاريد النساء الفخورات وهي تمجد شجاعة رجالهن في تحمل الالم .. كان ( بطان ) حامي ا****************س ولم يتخلف عنه احد ...
بعد انتهاء الحفل جلس زوجها بقربها وهمس في اذنها ...

- السرة ... احنا حنسافر بكرة إن شاء الله الخرطوم ... عارفك تعبانة شديد عشان كدة حاصبر لغاية بكرة ... ارتاحي الليلة ونومي كويس .. لانو لمن نصل هناك مافي نوم..

اخجلتها كلماته الموحية فلم تستطع الرد ولا مواجهة نظراته ...ضغط على يدها برفق وابتسامته تملا وجهه الوسيم ...


 
 توقيع : بكري حاج احمد

مواضيع : بكري حاج احمد



رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
بنات هذا الزمان Bo7a ۩ﺴ ﺴ۩راكوبة الحصاحيصا۩ﺴ ﺴ۩ 2 06-22-2009 02:57 PM
هرامات حي العمدة حسن وراق «۩۞۩-منتدى الحصاحيصا الحر-۩۞۩» 22 01-20-2009 06:09 PM
حى العمدة وتبدل الحال عمار «۩۞۩-منتدى الحصاحيصا الحر-۩۞۩» 4 05-20-2008 12:50 PM
يوسف العمدة الي رحمة الله حسن وراق «۩۞۩- أحزان الحصاحيصا -۩۞۩» 11 10-09-2007 11:38 AM
بنات المنتدى عروس البحر «۩۞۩-منتدى الحصاحيصا الحر-۩۞۩» 11 06-02-2007 05:48 AM


الساعة الآن 07:09 AM.


Powered by vBulletin Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
vEhdaa 1.1 by NLP ©2009