فلوس ونفوس . محاولات قصة قصيرة.

فلوس ونفوس

شعر بغيظ شديد وهو يسمع صوت تمزق قماش العراقي الوحيد , بفعل عصاه التي أدخلها بينه وظهره حكا لقفاه, لعن الترزي الذي خاطه قبل سنتين في سره ,قبل أن يعرج سبا ولعنا على صاحب الدكان الذي باعه قماش الدمورية وقتها. ما لبث أن تململ على الأرض مرخيا أذنه لصوت خطوات قادمة ....
صدح صوته عاليا : الله كريم ... الله كريم
أعجبه التنغيم في صوته لحد الطرب, إهتز معه وهو يردد العبارة ثانية قبل أن يسمع صوت جارته اللدود مرددة بتتابع سريع وصوت أكثر حدة: طالبة من الله ... طالبة حق الله.
تابع بغيظ واضح الرجل القادم وهو ينثني عنه بعيدا بخطواته ليلقي بعملة معدنية أحدثت صوتا محببا إلي نفسه ولكن بوعاء جارته.
قال محدثا نفسه: موقف فور مزاد دا نخليهو ليك ولا شنو ؟ يعني جارته بهذا الحديث.
لم تكن تسمعه بالطبع ولكن هو قالها على كل حال , يعلم أنه ما فتئي يردد هذا العزم على الرحيل منذ جاءت هذه الطالبة من الله من سنوات...
كانت المساحة الواقعة شمال قطاطي السكة حديد والممتدة من الجامع إلي كبري عابدين فون مملكة خاصة به لسنوات , قبل أن تأتي الطالبة من الله كما يسميها وتقتطع جزءا غير يسير من دخله وخصوصا من العابرين الذكور, فهم ما أن يسمعون صوتها ويرون الحال التي هي عليه من ضآلة جسم ويدين مبتورتين حتى يسارعوا إليها بالقطع النقدية التي تحدث رنينا بغيضا في أذنيه وهي تسقط في وعاءها وليس في وعاءه.
كان هارون أو عم هارون كما يسميه الكمسنجية بموقف فور مزاد, متسولا محترفا منذ الصغر متذرعا بعدم الرؤية جيدا ,وإن إدعى تمام العمى زيادة في إستدرار العطف وكسبا للمزيد من المال, رحل قبل سنوات من مجمع كبير للمتسولين داخل السوق جوار الجزارة..لضعف مؤهلاته مقارنة بالأكفاء والمجذومين .. ورغم أن الطشاش في بلد العمي شوف كما تعود أن يسمع , ولكنه كان يحسد العميان على ما هم فيه من نعمة .
فكر هارون كثيرا في طرق شتى لإلهاء القادمين عن صوت طالبة من الله .. فتارة يصدح بآيات من الذكر وتارة يرقق صوته مبدلا العبارات بين رزاق يا كريم ,الله كريم وكريم الله , ولكن دون جدوى.
كان فيما مضى يحسده الكثير من الشحاذين على موقعه المميز , وربما تطاول بعضهم وحاول الجلوس في نفس المنطقة ولكن كانت الغلبة له دائما , كانوا كلهم من الرجال الذين لم يستطيعوا مقارعة فظاظته وشدته في طرهم عيانا بيانا, لم يستطع فعل ذلك مع طالبة من الله , كان يعرف أنه سيجد توبيخا وتأنيبا شديدا إن أقدم على التطاول عليها.
: ياريتني لو كنت مرة عميانة .. كانت القروش تجي بالهبل!!
تنبه فجأة إلي ضابط البلدية بثيابه المميزة ومعه مجموعة من العمال قادمين صوبهم بعد أن مروا علي سوق السمك وقبل أن ينتبهوا إليه كان قد لملم حاجياته من خرقة جوال يفترشه وبقجة بجانبه ووعاء , ,أنتصب واقفا ميمما ناحية البنطون وسط المارة الآخرين .... وقف غير بعيد ينظر عبر الكوبري إلي كتيبة ضابط البلدية وهم يتحدثون إلي طالبة من الله , ثم وهم يلملمون حاجياتها بينما أحدهم ينهضها عنوة ومن ثم ليقتادونها إلي مبني المجلس.
أحس بتعاطف غريب معها , بل هم بالذهاب إليهم لفكها رغم علمه بعدم جدوى ذلك .
جلس هناك وهو يفكر:
الناس دي قلبها مافيهو رحمة!! مرة زي دي لا أيد لا كراع , لا راجل , مالهم عليها ما يخلوها تسترزق!!
هسه الناس ديل يساككوا فينا ضريناهم بي شنو ؟
والله حسادة ساكت؟
والله حسادة؟
نحن ماقاعدين نطلب من زول قاعدين نطلب من الله وربنا بيسوق الناس البيدونا ديل من إضنينهم عشان إدونا القروش الأساساً هي حقتنا !!
هسه عليكم الله أخير نطلب من الله ولا نطلب من ناس زينا ؟
هو إنتو قايلين الشغل في الحكومة ولا في غيرها ما شحدة!!
والله شحدة عديل وكمان من الناس ولا من رب العالمين,لازم تنافق رئيسك عشان تترقى, ولازم تجي بدري في مواعيد معينة, وكان ما جيت الله قال بي قولك , يا إما تكضب الكضب العديل دا ,لي رئيسك وتنجر ليك سبب من مخ رأسك , ولا تكون زول المديرأساسا وتنافقوا وتعمل ليهو الدايرو إن شاء الله تعصِر ليهو كرعينو.
المراسلة لازم يدوسه الموظف والموظف الكبير يدوس الصغير والمدير يدوسهم كلهم والوزير يدوس زي ما عايز !
الغريبة حتى الموظفين الكبار لازم يتملقوا وضحكات صفراء وإحترام زائف, ما كنت عارف الحكاية دي إلا يوم جاء واحد قالوا وزير ولا شنو ما عارف , وعاملين ليهو حفلة في الشجرات الجنب البنطون , وتعال شوف ناسنا الرافعين نخيراتهم ديل كلهم بي الصف واقفين في الحر زينا زيهم صفوف الأكبر ثم الأصغر ,ودبابير تتخابت ,وكرفتات تتطاير , يوم القيامة بس .أهه أخير نحن ولا هم ؟
كله كضب في كضب وعشان القروش مهما فلسفتوها... لكن المستغرب ليهم التجار الكبار , عندهم قروش كتار, يقوموا يشتروا بيها حاجات عشان يبيعوها لي ناس تانيين ويحنسوهم عشان يشتروا ويغشوهم عشان يشتروا وكمان التجار الصغار وأصحاب العربات والتكاسة , الجابرهم علي الكضب والنفاق شنو ,, ما يلموا قروشهم عندهم ويرتاحوا!!
ما تقول لي نجار ولا بناء ولا ميكانيكي , برضو بيشتغلوا لي الناس التانيين الممكن يقولوا ليهم أي حاجة يقبلوا بيها عشان آخر حاجة يدوهم القروش ,, ويقولوا ليك الزبون على حق ؟... بالله...؟
تململ في جلسته وأتكأ علي الجدار الصخري لزمن يراه كافيا ليعاود عمله بمكانه المعهود؟
هش بيده ذبابة حطت على أنفه .. ثم صاح بصوت عال :
أنعل أبو القروش لأبو يومها.

.........

لا أقرأ ما تكتب .. ولكنني أسافر لاهثا في اللامكان وفي كل ( بكان) فتارة مليط وطورا ( كبكابية ) وحينا ما اقبض بي متلبسا ( أجتر) مزاق مدينتي الغراء بلا فتور
وحينا أمــور باحرفك بلا تنــّور
وشي لله يا الكييك يا اب ضرعا ما مساويك
لا أخرس الله لك حرفا
أدمن ما تكتب من الودجين إلي الحرفين

محبتي وودي أقصاه

......

مأمون ... سرني مرور حرفك الأنيق ...كمثل حسك النقي هو ما أتكئي عليه حين تمسك اللا مبالاة بتلابيبي بعيدا عن الحرف ...لك صادق ودي وتقديري.