عرض مشاركة واحدة
قديم 06-15-2014, 06:35 AM   #9


السماني كمال الدين محمد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 10240
 تاريخ التسجيل :  Jun 2014
 أخر زيارة : 05-13-2015 (07:51 PM)
 المشاركات : 157 [ + ]
 التقييم :  30
لوني المفضل : Brown
افتراضي



ثم جاء الشيخ :


جاء الشيخ والتف به محبوه ومريدوه، وكانوا جميعا مكان السمع والطاعة عنده.. وقد كانوا هم أنفسهم في حاجة لقيادة روحية وعلمية وتربوية،ووجدوا في الشيخ ما يحبونه.. وكان في مقدمة هؤلاء (الخشماب).. وكما قال الأستاذ الدكتور عبد اللطيف سعيد محمد عيسى في كتابه القيم (طابت الشمش غابت) – وهم من أهل البلد الأصليين الذين يعتزون بأنهم الذين (قطعوا لعوتها وذاقوا موتها) – ص87/ نفسه الطبعة الأولى – 1419هـ - مارس 1999م..
وكان مع الشيخ أخواه : الشيخ عبد الجبار والشيخ عبد النور.. وبدأ المحبون والمريدون في إعداد المنطقة لسكناهم.. قطعوا الأشجار، وشرعوا في وضع اللبنات الأولى لمدينة مباركة خالدة.. بنوا أولا مستقر الشيخ وبيوته، ثم بيوتهم ومستقرهم، وكانت متواضعة من الطين والقش حسب المتاح آنئذ.. وكانت متقاربة متلاصقة.. تقارب قلوبهم، وتلاصق أنفسهم وأرواحهم.. ثم حفروا البئر للسقيا.. وكان أول بئر يحفر.. والبئر موجود الآن في الحوش الواقع شرق بيت الشيخ محمد المبارك الشيخ عبد المحمود.. وبنوا المسجد وخلوة القرآن.. ثم التكية والخلاوي الملاصقة لها.. ([1])
من هنا، من المسجد، بدأ الأستاذ الشيخ عبد المحمود نشاطه التعليمي التربوي.. كان الشيخ رجلا عالما، فقيها، أديبا، لغويا.. وهو في القمة من كل ذلك.. في أي مجال من هذه المجالات تتبعتَ لكتبتَ سِفْراً.
علم الناس الفقه والتفسير والحديث والسيرة النبوية المطهرة.. وكان الناس في حاجة لكل ذلك.. علمهم السلوك والتربية.. وفي الخلوة حفظ كثير منهم القرآن الكريم.. والتكية والخلاوي كانت مأوى من لا مأوى له.
وهكذا، أصبحت هذه المنطقة على تواضعها(مساحة وبناء) أصبحت مركزا دينيا وروحيا وعلميا.. وسرعان ما تقاطر نحوها المحبون والمريدون من كل أنحاء السودان بل من كل قبائل وبطون وأفخاذ أهل السودان.. وانصهروا جميعا في وحدة منقطعة النظير.. وهذه هي الروح السارية في أهل طابت حتى يومنا هذا..
وإلى يوم الدين بإذن الله تعالى..
إذن، سرعان ما ازداد العمران فيها، وتوسعت نشاطاتها الدينية والدنيوية على السواء. وهكذا نشأت طابت.. وهكذا انداحت كما تنداح دوائر الماء تلامس النسمة صفحتها.. ولا أقول (يلقى فيها بالحجر)..
طابت نشأت مدينة صوفية متدينة عالمة.. لأن مؤسسها كان صوفيا عالما.. وهذا ترك أثرا بالغا في أهل طابت جميعهم، فإن أسلوب خطابهم، ومفردات قاموس مخاطبتهم فيه تميز لا يخطئه السمع.
مكث الأستاذ الشيخ عبد المحمود بين أهله ومحبيه ومريديه في مدينته طابت قرابة الأربعين عاما وقد كانت وفاته في عام 1333/1915م رحمه الله رحمة واسعة وأجزل له المثوبة..
وقد خلفه من بعده ابنه الشيخ عبد القادر الجيلي.. وقد نهل من علم والده، ولقد كان عالما فقيها، عابدا ورعا زاهدا..وكان مربيا ومعلما..سار على نهج والده..
الشيخ عبد القادر الجيلي، كان(أويسيا) زاهدا، يغدو ويروح في كسب رزقه، وعنده من يكفيه هذا الغدو والرواح لكنه هكذا أخذ على نفسه.. يقضي سحابة نهاره في(الحواشات) وبرغم هذا الجهد اليومي له درس يومي في خلوته أو في المسجد من بعد صلاة العصر إلى صلاة المغرب. درس يومي منعقد باستمرار لم ينقطع طيلة حياته، إلا ما يتخلل الأيام من طوارىء وعوارض.. وقد أفاد من علمه وخلقه خلق كثير من طابت ومن خارج طابت. ومن الذين درسوا على الشيخ عبد القادر الجيلي من أهل طابت، على سبيل المثال لا الحصر : الشيخ هاشم الشيخ عبد المحمود – الشيخ محمد عظيم الشيخ عبد المحمود – الشيخ عبد المحمود الحفيان – الشيخ محمد سرور الشيخ السماني – الشيخ كمال الدين الشيخ محمد – الفكي النور عيسى – الفكي فضل الله عيسى – الشيخ الحسين الشيخ محمد المبارك – الشيخ صلاح الدين الشيخ السماني – الشيخ احمد البشير الشيخ محمد البشير – الشيخ عبد المحمود العاقب – الشيخ الطيب الشيخ محمد المبارك – الفكي عبد المحمود موسى(أبو راس) وعدد من هؤلاء كان لهم دورهم الفاعل والمؤثر في نشر الفقه المالكي بين الناس.
الشيخ عبد القادر الجيلي، وهب نفسه لصلاح الناس وخيرهم، كان يبذل لهم كل معروف وإحسان، تعليما وتربية وسلوكا وإرشادا..
ولما كان للعلم عند الشيخ المكانة الأرفع والأسمى لم يكتف بدرسه اليومي المعتاد بل أنشأ بدايات معهد علمي، وكانت بداياته في داخل المسجد وذلك في عام 1937م ثم انتقل إلى الغرف المجاورة للمسجد، الواقعة شرق المسجد، وذلك في عام 1953م.. ثم انتقل المعهد العلمي إلى مبناه الذي خصص له في عام 1957م وهو المبنى الذي تشغله الآن مدرسة السيدة صفية الثانوية للبنات.. كل هذا بجهد ومتابعة الشيخ عبد القادر الجيلي – رحمه الله وأحسن إليه ــ..
وكان لخلوة القرآن الكريم نصيبها من التوسع والازدياد، وقد كان طلابها يشغلون الساحة الشرقية للمسجد بكاملها.. يقرؤون القرآن الكريم في التهجد والسحر إلى شروق الشمس، ثم ينتقلون إلى داخل غرف الخلاوي، وعند الغروب يملؤون الساحة الخارجية إلى ما بعد صلاة العشاء يلتفون حول (التقابه)..
رحم الله ذلك العابد، الزاهد، التقي الورع، العالم، المحقق المدقق الشيخ عبد القادر الجيلي، ورحم الله كل آبائنا، ورحم الله كل من سار على طريق الخير..

من أدب الكبار.. نماذج يقتدى بها :

حكى لنا كبارنا، أن الشيخ البشير الشيخ إبراهيم الدسوقي بن الشيخ أحمد الطيب كان أكثر ما يكون استقرارا في قرية(الفريجاب) مع كثرة تسفاره و ترحاله، وكان صاحب (زرع وضرع)، وكان جوادا كريما.. ولما علم (الشيخ عبد المحمود) بوجود (الشيخ البشير) في المنطقة، أرسل إليه وطلب منه المجيء إلى طابت..
جاء الشيخ البشير إلى طابت واستقر فيها بكامل أسرته وأبنائه، ذلك، كان ودًّا وحبًّا في أخيه الأستاذ الشيخ عبد المحمود.. ومن بعدها سرى رباط الود هذا موصولا في أبنائهما..
هذا الشيخ الجيلي الشيخ عبد المحمود الشيخ نور الدائم كان عند ذهابه غدوة لـ(الحواشات) يأتي في طريقه على الشيخ محمد([2]) الشيخ البشير، وما كان يناديه إلا بـ(خالي)، ذلك لأن السيدة(النعمة) الملقبة بـ(صيده) بنت عائشة بنت الشيخ مطيع بن الشيخ احمد الطيب هي والدة والدنا الشيخ الجيلي بن الشيخ عبد المحمود، وبهذه الحسبة فإن والدنا الشيخ محمد بن الشيخ البشير بن الشيخ إبراهيم الدسوقي بن الشيخ احمد الطيب يكون أخا للسيدة(النعمة) وبالتالي هو خال لوالدنا الشيخ الجيلي..
هذا أدب الكبار.. الشيخ الجيلي يحرص على رفقة الشيخ محمد، والشيخ محمد يترقب مجيء الشيخ الجيلي وينتظره بكل الحب والتقدير..
وهما في طريقهما – ذهابا وجيئة يتدارسان ماعندهما من علم ومعرفة ويتذاكران القرآن الكريم.. وما اضطرتهما شواغل الأيام عن عدم رؤية بعضهما إلا التقيا على سؤال شوق يلهج به وجدانهما قبل اللسان..
هذا أنموذج لأدب رفيع عال.. وأنموذج من الحب والاحترام والتقدير يكاد يكون فريدا..
وهذا الشيخ عبد المحمود(الحفيان) بن الشيخ الجيلي يعرف لأهل الفضل فضلهم يقول عن الشيخ محمد الشيخ البشير(الشيخ محمد الشيخ البشير الذي يقف مثالا بارزا للعفة و العزة والكرامة في نهاره الذي يقضيه عاملا في سبيل عيشه حتى يمسي كالا من عمل يده ليبيت بذلك مغفورا له، فإذا أجنه الليل غدا راهبا من رهبان الليل يقطع الليل تسبيحا وقرآنا. وله بالقرآن ذكر وصوتا حسنا. لم يشتغل بالناس انشغالا برب الناس.. وكان رضى الله عنه محققا للإسلام الحسن بتركه ما لا يعنيه حيث عاد بذلك من أهل البركة والصلاح. لم يحفظ عليه أحد كلمة سوء. وقد كان في حفظ الله وصونه وستره حتى انتقل إلى جوار ربه راشدا محمودا..)
ويقول عن الشيخ الطيب([3]) الشيخ البشير(( والشيخ الطيب كأخيه الشيخ محمد عفة وعزة وكرامة. له بالقرآن دوي وبالذكر نشيج إن جنه الليل. فان طلعت الشمس تراه متجها إلى مزرعته مبكرا طالبا لقوت عياله ونفسه، لم تشغله الدنيا ولم ينشغل بها. طيب القلب صافي السريرة متى جلست معه أحسست بروح الدعابة ورأيت علامات البساطة
والتواضع. يعيش بين الناس مواصلا لهم في كل كبيرة وصغيرة. مثالا للخلق الكريم. والطبع السمح والسلوك القويم.))([4])


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) جاء في كتاب (الشيخ عبد القادر الجيلي حياته وآثاره) مرجع سابق ص(95) : (واستقر الأستاذ في منطقة (العفاناب عام 1295هـ حيث بنى الخلاوي والزاوية وحفر بئرا للشرب).. في هذه الفقرة لم يذكر المؤلف أن الشيخ بنى مسجدا..
وفي ذات الكتاب / ص (147) منه تحت عنوان (تشييد المسجد الجامع بطابت) يقول المؤلف (وفي عام (1330هـ) أنشأ سيدي الأستاذ مسجدا جامعا تؤدى فيه صلاة الجمعة، وتعقد فيه حلقات الدرس، وقد اكتمل بناء المسجد في نفس العام.وكان بناؤه بالطوب الأخضر – اللبن ــ..) وجاء بناء هذا المسجد قبل وفاة الأستاذ الشيخ عبد المحمود بثلاثة أعوام فقط.. والسؤال هنا، هل بنى الشيخ مسجدا عند مجيئه، ولم يذكر في هذا الكتاب سهوا..؟ ثم جاء بناء هذا المسجد في عام (1330هـ) تجديدا وتوسعة للمسجد الأول.. ام أن الشيخ لم يبن مسجدا..؟ وهذا ما استبعده تماما.!!.. ومعلوم أنه عند مجيء الشيخ للمنطقة ومن معه من محبيه قد نشأت قرية عدد سكانها آنئذ أضعاف أضعاف العدد المشروع لعقد صلاة الجمعة، وأصبحت لهم بيوتهم واستقرارهم.. وقرية توفر فيها الاستقرار والعدد الواجب للجمعة فلا بد أن يكون فيها مسجد تصلى فيه الجمعة..
وبهذا أخذت أن الشيخ قد بنى مسجدا ولو بالقش عند مجيئه.. وإن كان ليس لديَّ ما يؤكد هذا الذي أخذت به، غير القرائن ومقتضيات الحال..
وقد يكون في أوراق الأستاذ الشيخ عبد المحمود الشيخ نور الدائم المخطوطة التي لم يتوصل إليها بعد ما يثبت ما ذهبت إليه.. وهذا ما آمله وأرجوه..
ويلاحظ هنا أن الشيخ عبد القادر الجيلي بن الشيخ عبد المحمود ذكر في كتابه (نفحة الرياض البواسم في مناقب سيدي الأستاذ عبد المحمود نور الدائم).. ذكر أن الشيخ عبد المحمود لما جاء إلى أم طرفاية في العام 1283هـ وتزوج فيها ثم بنى مسجداً.. [ص12، نفسه، الطبعة الأولى، 1390هـ/1970م، طباعة الدار السودانية].
فإذا كان الشيخ عبد المحمود قد بنى مسجداً في ذات العام 1283هـ الذي ارتحل فيه إلى أم طرفاية، فهل يعقل أنه لم يبن مسجداً في طابت في ذات السنة التي ارتحل فيها إليها..؟!!
وقول الشيخ عبد القادر الجيلي في كتابه هذا يؤكد ترجيحي أن الشيخ عبد المحمود قد بنى مسجداً في طابت في سنة استقراره فيها..
ومن هذه الفقرة التي نقلناها من كتاب الشيخ عبد القادر الجيلي، يبدو لي أن الأستاذ الشيخ عبد المحمود كان ينوي الاستقرار في (أم طرفاية) بدليل بنائه المسجد فيها عند مجيئه إليها.. وباعتبار أن هؤلاء أهله وأقاربه من السروراب.. لكن شاءت إرادة الله سبحانه أن تنشأ هنا مدينة ناهضة اسمها (طابت)..
هذا، وقد أفادني الأستاذ الشيخ الجيلي الشيخ عبد المحود (الحفيان) – بعد البحث والتدقيق – أن أول مسجد بناه الأستاذ الشيخ عبد المحمود الشيخ نور الدائم عند مجيئه هنا في طابت كان في الموقع الذي عليه الآن (ديوان التأييد) في ساحة المسجد الأول ابتغاء التبرك، وحفظ أثر المسجد الأول القديم الذي أسسه الشيخ عبد المحمود الشيخ نور الدائم..



([2]) توفي العام 1971م.

([3]) توفي في العام 1988م.

([4]) (راجع كتاب – الشيخ عبد القادر الجيلي حياته وآثاره، تأليف الشيخ عبد المحمود(الحفيان) بن الشيخ عبد القادر الجيلي.. ص ص 116- 118)


 

رد مع اقتباس