عرض مشاركة واحدة
قديم 08-30-2005, 08:40 AM   #25


smana غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 50
 تاريخ التسجيل :  Jul 2005
 أخر زيارة : 09-07-2005 (11:16 AM)
 المشاركات : 32 [ + ]
لوني المفضل : Brown
افتراضي





الرائع ود الحصاحيصا

دخلت اللحظة موقع الحوار المتمدن الذي توجد فيه ابداعات عفيفي وها هي بين أيديكم واحدة

من ابداعاتة حيث لم يثنيه البعد المكاني والزماني من التواصل مع اخبار السودان وها هي

كلمته التي ألقاها في إفتتاح مهرجان السلام بغرب استراليا ،في حلقة "أشياء للإيضاح" 6

أغسطس2005م. ابتدرها بالترحم على روح الراحل المقيم د. جون قرنق.


الكتابة في زنزانة*


عفيف إسماعيل
aia5@hotmail.com
الحوار المتمدن - العدد: 1280 - 2005 / 8 / 8



محبي سلام العالم

طاب يومكم

في هذه اللحظات بالضبط تُشيع الأمة السودانية جنازة أحد المناضلين الشرفاء من أجل الوحدة

والسلام والديموقراطية فمن الأعالي جاء د. جون قرنق دمبيور وإلي الاعالي سوف يعود كي

يمطر سحابات رخاء ونماء وخير للعالمين، في الأرض سوف يُبذر بعد قليل لينبت بعد غد سنابل

قمح لكل الجياع، وأغصان زيتون للمحبة والوئام، وزهور بيضاء يتبادلها ابناء الوطن دعماً للوحدة

والاخوة والاستقرار.

أرجو ان نقف جميعاً دقيقة ليس حداداً بل إجلالاً وأكراماً لروحه الطيبة التي ترفرف الآن بكل أرجاء

السودان وتدعو للسلام والوحدة والعدل والتنمية.

في الذكري الستين لمأساة هيروشيما ونجازاكي، أدعو كل محبي السلام الكوني لمواصلة

النضال ضد جنون التسلح والحروب.

البيان الأول لإنقلاب الجبهة القومية الإسلاموية في السودان علي الحكومة الديمقراطية في 30

يونيو 1989إحتوي علي نهج إقصائي لا يحتمل الآخر، يمثل فلسفة وفكر الإسلام السياسي في

السودان، كنت ضمن جموعاً لا تحصي من أبناء بلادي المدافعين عن الحقوق الاساسية للإنسان

في الحياة أمتدت لنا هذه اليد الظلامية الغادرة لترمي بنا في غياهب السجون .

تم إعتقالي أربعة وعشرين مرة خلال عشرة سنوات تمتد بين 1990-2000م ، ولي تجارب

مختلفة للكتابة من خلال صنوف التعذيب الوحشي، والحرمان من أبسط الحقوق والإحتياجات

البشرية، واتقنت مهارة إخفاء قلم رصاص بحجم سنتمترين في أحد عطفات البنطال قبل كل

أعتقال، فالقلم بالنسبة للجلاد سلاح مهاب اكثر طلقاته النارية، لآنه يعلم جيد بان الحروف التي

تُكتب به هي مشاعلاً للتنوير والوعي الذي يوقظ من اراد لهم ان يغطوا في ثبات غيبوبة

الدكتاتورية الطويل ، والذي يريده الجلاد ايضاً من إعتقال المبدع وقلمه، هو تحطيمه معنويأ بعزله

عن المحيط الطبيعي لحياته التي هي زاده للخلق والابداع، وجعل ذاته هي المحور بدلاً عن

التذواب الطبيعي بين المبدع والآخر، تلك العلاقة التكاملية التبادلية التكافؤ.

بالنسبة لي كانت كوة الزنزانة التي أري منها السماء خطفاً أوسع وأرحب من فضاء الكون كله،

وعندما يعبر طائراً صغيراً بها، أو المح نجمة صديقة في عتمة الليالي، أسمو فوق عبث اللحظة،

وانهض من فوق أوجاع الجسد، وتبعث الروح كألف فينيق لتؤدي دورها.

سوف أحكي لكم تجربة من أحد تجارب كتابتي في زنزانة، وهي في الإعتقال قبل الأخير في

اكتوبر عام ، 2000تم اعتقالي بمدينتي بوسط السودان "الحصاحيصا" وترحيلي ليلاً إلي عاصمة

والولاية الوسطي "ودمدني" ضمن مجموعة من المعتقلين، في صباح اليوم التألي استطعت أن

أميز علي الجدران شعارات ثورية كثيرة، مكتوبة نحتاً حيناً وبأحبار مختلفة وتحتها أمضاءات باسماء

كنت أعرفها، لكن ذلك الشعار البارز خطف بصري نحوه " عاش نضال الشعب السوداني"

المكتوب بدم الشهيد عبد المنعم رحمة صديقي، وتجمعنا معاً عضوية الحزب الشيوعي

السوداني، زلزلني وأمدني بطاقات للصمود في وجه الجلاد وفتح امامي منافذ للخروج من حيز

الزنزانة الضيق والتحليق في فضاء الذكريات، و في آفاق الحلم والمستقبل، فبدأت بكاتبة ذهنية ،

إلي ذلك الوقت لم يتوفر لي فرصة إقتناص أرواق للكتابة عليها، فكتبت نصاً شعرياً مهداة للشهيد

عبد المنعم رحمة، ولا أدري حتي الان من اين جاءات تلك الطاقات التوهج الجديدة لذاكرتي

المشهورة بثقوبها العديدة، لمدة ثمانية أيام كانت الكتابة الذهنية هي المعادل لتحمل حموضة

تلك الوقات المضنية .

عندما سمح لي بإستعمال الحمام مرة في الصباح ومرة في المساء ، ويتوقف التوقيت علي

حسب مزاج السجان، صرت ألتقط ما أجده في الحمامات من أوراق تغليف الصابون ، وافي غفلة

من الحرس تختفي في عطفات البنطال مع ذاك القلم الصغير. أعطاني وجود الأوراق بعد نوم

السجان بعد منتصف الليل مساحات أوسع للتعبير عن نفسي ، وأن تعلن ذاتي تمردها علي

وحل اللحظة وتجد عوالمها في كتابة نصوص شعرية تنفتح علي رهان الانسان في لحظات

الترقب بين الموت الحياة والمسئولية الضمنية عن حياة آخرين خارج الاسوار ينتظر الجلاد لحظة

وهن كي يظفر بمعلومات عنهم. وتعلمت كيف اربي الحلم والأمل.

بعد ثلاثة أسابيع اتسعت الحملة التضامنية معي داخل وخارج السودان من أغلب منظمات حقوق

الانسان السودانية والعربية، ومن صحيفة " الميدان" السرية لسان حال الحزب الشيوعي

السوداني، ومن أذاعة المعاضة خارج السودان وصحفها، توقف التعذيب، والحبس الانفرادي،

وتحصلت علي أوراق بيضاء قطعاً هي أثمن ما عثرت علي في حياتي حتي الآن، فكتب نصوصاً

شعرية باللهجة المحلية السودانية للأطفال، مهداة لصغيري "شادي" الذي تجاوز عمرة العام

ببضعة شهور. ثم بدأت في كتابة نصوص اخري شكلت تقريباً نصف مجموعة الشعرية الثانية "

رهان الصلصال" عندما سُمح لوالدتي بعد شهر بزيارتي، خرجت وهي تحمل معها كل هذه

القصاصات لتنظرني كي أعالج طمس حروفها بعد خروجي من هذا المعتقل اللعين بعدها

بأسبوعين.
ــ


 

رد مع اقتباس