عرض مشاركة واحدة
قديم 11-04-2010, 04:07 PM   #10


الصورة الرمزية محمد عوض السيد
محمد عوض السيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7563
 تاريخ التسجيل :  Nov 2010
 أخر زيارة : 02-27-2014 (10:00 PM)
 المشاركات : 1,858 [ + ]
 التقييم :  41
 الدولهـ
Sudan
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue
افتراضي



يامسافر بعيد

في ذات يوم خريفي ماطر عقدنا العزم انا وصديقي محمد علي الذهاب الي الخرطوم لوداع رفيق طفولتنا بالمطار .. وكان ممن لا يطيقون الوداع فذهب دون علمنا قبل يوم من تاريخ اقلاعه الي لندن عاصمة (الذباب) كما كنا نداعبه اثناء تجهيز اوراقه للسفر وهو من الذين اسعدتهم الحياة وتمت ولادتهم هناك .. وكثيراً ماكنا نضحك علي تلك الصدفة الي ان احتاجها بحق لتحسين اموره الماليه بعد ان كابد الويلات بهذه البلد التي لاترحم من يحبها .. وطوينا الاسفلت طويا .. الي ان وصلنا بزمن يسع لنا ملاقاته ومن سؤ حظه ان وجدناه مع والده علي بوابات المغادرة ..
واظنه لم يجد مخرجاً اخر بعد ذلك ليحاول ان يتحاشانا وسلم واقفاً وابتدر بقول :
انا خائف من اللحظات دي ولحقتوني بالمطار وانفجر باكياً لائذاً بنا من اعين الرقباء من مأقيه الممتلئية بالدموع .. وعند اقترابي منه قلت له ما
حضرني من ابيات من اغنية (يامسافر بعيد) للفنان صديق عباس معلم الاجيال :
يامسافر بعيد غاب ســـــــاب الحبايب

....
لتخيف ما الم بصديقي وقلتها للمؤاساه وان اثرت كثيراً به !!
وان اختلف المضمون ولكن كنا نحبها ونرمز بها الي التسفار والي الغربة .. وعندما يرددها المدهش صاحب الصوت الجميل كانه يعبر بها عن حالة بالغربة فيخرجها بثوب يحاكي الحرير نعومة وجمال .. خصوصاً عندما يصل الي :
والليلاتنا ديلك ودنيا الريد عــجائب
الله يصـبرك ياقلبي من حالتك الفوقك
كل مايمر صباح زايد عليك شــوقك
الــــزول كان حنين لابد بيلاقي
يوم بين الـسعادة ويوم احزان تشاقي

وهي من كلمات الرقيق عبدالله الكاظم ..ودوماً تحضرني بذلك الفيديو الذي امتلكته من امد طويل لتسجيل ارشيفي للتلفزيون ايامه بالاسود والابيض وتتقافز الي راسي من ما وجدته من مستقر لها عندي ..
ولم نطل معه لضيق الوقت وودعناه وحملناه كل الاشواق والدعوات بالوصول سالماً الي وجهته ..
واصريت علي محمد بان نذهب الي اقرب محل اشرطة كاست لنشتري أي اصدار منها للفنان صديق عباس .. وبالفعل وجدناه بعد جهد جهيد .. باحد الطبالي شرق الجامع الكبير بالسوق العربي قبل ترحيلها انئذاك .. وحين ادرنا الكاسيت اول ماوصل آذاننا هي عبرالاثير الشهيرة وكانت حاضرة بكل معان
يها للحال التي كنا بها من فراق عزيز وتحميله لي لوصية لم يحب ويهوي .. واخذنا نردد معه :
عبر الاثير بكتب فصول لست هواي وارسلها
تلقاها من مخلص عزيز تنزل دموعها تبللها
تقراها لي اخر حرف تبداها تاني من اولها
وكتين تشوف كيف مقاسي الغربة نستحملها

وبالبيت القادم نري ان الغربة هي هاجس له منذ ان كان بالوطن من كثرة ماتغني بها وويلاتها التي تكوي جنبات المغتربين كل يوم يمضي وهم بعيدون عن عشهم :
كيف حالي انا بالغربة في البلد البعيد
والــــــيوم يمر زي السنة !!

وانا بدوري اسألك كيف حالك بالغربة وكيف تحتفي بليلها الطويل ؟ وان شاءالله ترجع للبلد وتشوف نور الأمل ..
وكم هي رائعة كلمات ولحناً واداء لايخالطه مايشوبه من هنات حفرت بذاكرتنا رحلة قصرت من المعتاد ..ولهذا يقال ان السعاده لاتدوم !!
ولكن حين ابتداءت الثانية وهي (الكباشي لو يرضى) ترنم صديقي الذي يمت بصله الي كردفان وغالبه الحنين فتوقف جانباً لكي اتولي القيادة فهي تثير فيه ماتنؤ بها دواخله فتغيبة عن دنياناً ردحاً وهي :
كباشي كان برضـي الليموني
وصـــــــلني ود بنده
خــــــلي الناخد سنده

وانا كنت بدوري اردد معه (القنصل لو يرضي يأشر لي للندن) ويضحك محمد مل فمه مما اقول وهي من الاماني وقتذاك ..
وهذه الاغنية من التراث بكردفان ولها قصه طريفة حكاها لي اخي العزيز عبدالباقي من الرهد ابدكنة(مسكين ماسكنها) وهي تروي ان كباشي كان من اشهر سائقي العربات هناك بكردفان وكان مجبول بالكرم ودوماً ماتكون الرحلة علي حسابه من ماكل ومشرب .. ولقد حصل وان ركب رهط من الاناس يقصدون احد الاعراس وحين قرب محطة نزولهم بداءت (احداهن بترديد كباشي كان برضا يوصلنا ود بنده) وهي مقصدهم وقالت اخري (خلي الناخد سنده) وهكذا الي منتهاءها(كباشى أعمل ذوق وصَلنا ود دردوق) واكراماً لما سمعه قام بتوصليهم الي ماينشدون .. ولقد مكث معهم الي انتهاء مراسم الزواج ..
وقبل ان نفيق من ثملنا بهذا الزخم الجميل من الكلم وما يحمله من حنين يقض مضجع أي كائن كان وان تدثر قلبه بحجارة صماء ترنم ب:
كنت حبيبو وغنايو .. سميرو وحجايو
انا انا
ما اصلو الورد بجرح سقايو
والدرب الطايل في الدنيا ياقلبي بودر هدايو
انا انا

وزاد الطين بله علي محمد وما اثارت فيه من شجون لما فيها من لهجه المسيرية وسرعة الكلام لديهم .. ولحظت خلسة دمعه قاربت علي الخروج وان حجمها تقيده بتقليد مجتمعنا السوداني ان البكاء حق العوين(النساء) .. وانا شخصياً لا اختشي من البكاء ان كان هناك مايلزم .. ولكن ليس البكاء من الالم او لعدم التصرف كما تفعل بنات حواء !!
ودوماً كنت اهزل معه بذكر قول ماثور لديهم :
اشربولكو شاي خلي يزيدكو دمكو

وفي غفلة من السحب نزلت امطار خفيفة عطرت الاجواء برطوبة جميلة واعطتنا نشوة اضافية لما كنا نشدو به من اغنية يحفظها صديقي واخذ يستبق بها مغنيها :
المطرة الشــائلة صبت ضحا قائله
ياروحي شن دايره مع الخضار سايره
سيد الجراري اجـي دور حدف ايده

وهي كردفانية بحته واحيانا تستعصي كلماتها علي الفهم لما بها من نظم لان اغلب الاغاني بكردفان كانت توديها الحكامات قبل ظهور الفنانين والمغنيين بهذا الزمان لذا تاتي بصبغة اهلها الخالصه . والجراري ضرب من الغناء السائد لديهم ..
واخرا وليس اخيراً .. حين خيم الصمت علينا وعقد الصمت حلفاً معناً لما ذهبنا اليه بفكرنا من امنيات اثارتها ماسمعناه من كلمات (تعال نحلم) بصوت اخاله قد اخرج فيها كل ملكاته الصوتية من جمال صاحب اللحن واكسبها لوحة حية تدور في مخيلتنا تحثنا علي المضي قدماً بيوم غد وان احببتها بالعود لديه وايضاً يندب فيها غربته واسأل الله ان يرد كل من طال بعاده :
دي مابتتغير الاقدار لو عشنا الليالي آلم
ومابتعود حياتنا زمان مهما نشكي ونتندم
ومهما نبكي نار الفرقة برضو دروبنا مابتتلم
تعال نحلم
في وش الزمان القاسي نتبسم مانشيل هم
جميلة الدنيا لما الناس تحاول تنسي الآمها
وكل ماتعاند الايام تعيش الناس باحلامها
وتمشي علي البعيد وبعيد تكون امالها قدامها
سنين الغربة حا تعدي مهما طالت ايامها
ومهما غنت الاحزان اكيد تتبدل انغامها
تعال نحلم

فهي دعوة للجميع .. تعالوا نحلم بغد حافل .. فالأمس طوته الايام والغد بياض نية وخاطر اما اليوم اذا عشناه كما ينبغي فانه يجعل من الامس حلماً جميلاً ومن الغد خيالاً حافلاً ..
وكانت الخاتمة بتلك الاهزوجه الكردفانية (أجمل الحواري):
تضاري تتلموا ياكباري شاورو الرمالي
شوف الخيره مالي .. اتحيرت افكـاري
في أجــمل الحواري
ياطيري ياخداري يالبل علي داري
سلم علي البريدو فوق الحلة جاري
اللبسوه الساري وزيرتو جات تباري
تشاشي ليه وتظلل من السموم ..

وقد ظللتنا اغانيك من السموم ونزلت برداً وسلاماً لكل مستمع طالته الحانك الرائعة والتي لاتشبه احد غيرك .. وسأل الله ان يرد غربتك سالماً وغانما الي وطنك الذي بحوجتك انت وامثالك ليسكبوا شهد الغناء الذي بتنا في حيرة من امره بهذه الايام ..
ودمتم في امان الله ..




 
 توقيع : محمد عوض السيد



نضــج الحــــــــلم
ولكــــن الزمـــــــــــن
هو الذي لم يســــــــتو بعد
فما جدوى أن يبلغ القـــــــلب
رشـــــــــــــــــداً ســــــــــــــريعاً
(احلام مستغانمي )
مواضيع : محمد عوض السيد



رد مع اقتباس