عرض مشاركة واحدة
قديم 07-20-2009, 09:10 PM   #27




الصورة الرمزية عثمان عابدين
عثمان عابدين غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 312
 تاريخ التسجيل :  Jan 2007
 أخر زيارة : 01-16-2012 (09:31 PM)
 المشاركات : 127 [ + ]
 التقييم :  5
لوني المفضل : Brown
افتراضي تكنولوجيا النوايا الحسنة" لتاج السر حسن الملك



تكنولوجيا النوايا الحسنة

في البدء أعترف، بأننا السودانيون، أهل مروءة و عزوة نجدة،نمد يد العون و الغوث قدر استطاعتنا و اكثر من امتدادها الطبيعي ، لكل صاحب حاجة ، و ذاك لعمري ديدن النبل و الشهامة، ومبلغ الأنسانية، نقوم في سبيل ترسيخ هذا التقليد بمجهود الحفر و الدفر و الشيل و الخت، ضرب البوهية و الجير، و نصب السبيل، نتقاسم النبقة و كسرة الخبز و لانتقاسم زيت البترول لأنه ضار بالصحة.
غير انني أسأت الظن ( اللهم ألعن ابليس) ، فحسبت أن نصف ذلك مروءة، و نصف ناتج من عدم قدرتنا على قول كلمة ( لا)، و فاقد في فضيلة الصراحة التي تندرج في مقاييسنا تحت طائلة اللؤم، كأن نصرح بعدم معرفتنا معالجة أمر ما، دون الوقوع في حرج أفساده برمته، كأن نصف للتائه في حارتنا طريقا يؤدي به الى الصين ، و هو يحلم بقضاء الليلة مع أهله في دامر المجذوب ، الا انه يعز علينا أن نعترف بجهلنا معرفة الأتجاهات، وقد علمتني سودانيتي الأصيلة الا أرد لطالب حاجة ( يسمى مغروض و تنطق مغرود) طلبا، فذلك يدخل في باب جرائم ( كسر الخاتر)، و أن أجامل بجهلي لا بأس، مجاملة خرقاء تحسب في ميزان حسناتي، و انما الأعمال بالنيات في نهاية المطاف.
تطورت الحياة من حولنا و تقدمت وسائل التكنولوجيا فليس من كثير سيارات تحتاج الى دفرة و تشفيط، فتقدمت تبعا لذلك مطالب المروءة و النبل الرقمي، فظهرت الى الوجود نصائح من عينة (انت ما كدي امشي شوف عصام)، عوضا عن سؤال النعيم ود حمد، أو ان تقوم انت مقام عصام، فلا يطرف لك رمش و انت تعافر دون جدوى، لتصحيح التاريخ و الوقت على مقدمة جهاز الفيديو الجديد، بطريقة التكبيس الأحتمالاتي مرورا بكل الأزرار في الريموت، وبأمكانك أعتمادا على هذا المنطق الملتوي أن تفتح ورشة أو دكانا أو مكتب استشارة، وأن تكسب من ذلك ، فكل ما عليك عمله أن تطمئن زبائنك بقولك ( مافي مشكلة..تعال يوم الأتنين تلقا جاهز)، وان تمارس متعة الأختفاء من على وجه الأرض بعد ذلك، و تلك احب الهوايات الينا في السودان ( ده منو؟؟ بشير؟؟ قوليه مافي) فيكذب الطفل على السائل ( بابا مرق)، و لكننا لا نحبذ تسمية ذلك بالكذب، ثم انك ستبحث عن اصدقاءك الراسخين في العلم دون أن تراجع مرجعا واحدا كتبه الخواجة عن دراية لحل المعضلة، متسائلا في براءة (انتو الشريط العاضي في الجهاز...بطلعوهو كيف؟؟)...و تجيئك الأجابة ( كان استارتر ..طقو بى حديدة).
و منذ عهد ربط ( الدبارة) في سنة قلووظ الحنفية المتآكلة، لأيقاف نقاط الماء، و مرورا باستخدام ( القناية) لتثبيت التعشيقة عند بعض سائقي بصات السيرة، و عهود البحث عن أجابات فلسفية في عصر استخدام ( الجلبة) و استخراجها من ( المركوب)، و نحت ( الوردة) من فيش الببسي كولا، و عهد استخدام قطعة من ( البرطوش)، غمازة لصيد السمك، فأن عبقرية الخلق لم تتوقف لحظة، حتى ظهر الى الوجود، السيد الكمبيوتر، فهب له رجاله، و مستشاريه، و في مقدمتهم (عزو)، حاملا أعجابه الشديد بكلمة ( أسلوو)، فما أن تقع عيناه على حاسوب الا ونعته في ضيق و تأفف و ازدراء بال(سلو)، و قد كان لنا صديق آخر مغرم بكلمة ( انستوليشن)، فهو في حال ( انستوليشن) مستمرة،وين ما شفناك في التهجد امبارح؟؟....و الله كنت مشغول بشوية (أنستوليشن) كده، و تجيء الكلمة في ضخامتها و فخامتها مثل مهمة في الفضاء تتكلف الذهاب و العودة ة المعاناة، و تعرفنا على غير أولاء، شيوخ( الفرمتة) و أحبار التشفير و البرمجة، و جماعات ( كدى اقلبا من الناحية التانية شوف في شنو)!!!
أما أعظم شأن بلغته تكنولوجيا النوايا الحسنة، فيتجلى في الحفلات الموسيقية و الندوات و كل الفعاليات التي تستدعي استخدام( الساوند)، فأنا و منذ أن تفتحت بصيرتي على ضياء الشمس في سوداننا الحبيب، لا أذكر انني سمعت ( مايكرفونا) واحدا ، لم يصرخ صرخته المعهودة الشهيرة ( سييييييييييييييييييك)، سواء كانت المناسبة حفلا يحييه ابو عبيدة حسن أو محمد عبد الوهاب، أو ندوة للحزب و الحزب المضاد له ، حتى حسبت أن الأمر جزء اساسي في ( الشغلانية)، لا يتم نجاح الحفل او الندوة الا بصدوره، و تحيرت في عدم اكتشاف الأمريكيين لهذه المتعة في كل كونسيرتاتهم.
و تكتمل سعادتي في تلك الأمسيات الزعيقية، حينما يهب من بين الجمهور، عشرات مهندسي الصوت السريين، بمجرد اضطراب أمر السماعات، تحدوهم العزيمة الصادقة و الرغبة المؤكدة و كثير من دوافع المروءة، للدفاع عن آذاننا المغتصبة سياسيا و اجتماعيا و فنيا، مروءة لا تهتم كثيرا بقراءة ( المانيوال)، هذا اذا لم يكن قد قذف به في سلة المهملات منذ عهد الفريق ( عبود)، ثم انني استمتع برؤية الحيرة التي تعلو وجوه الواقفين علي المنصة، ينتظرون نتائج هذا النبل ، ثم و ما ان يهيأ للناس أن الموقف تحت السيطرة الكاملة، حتى تعود السماعات الى خمجها، و كأننها تتعمد أغاظتنا بمدى جهلنا....طزززززززززززززززززززززز، لتنفتق آذاننا، و تضرس أسناننا و يصاب بعضنا بلوثة مبررة، و يصر جارك أن يتم عليك قصته المملة التي بدأها قبل الحادث، بوضع قدومه داخل قناة أذنك الوسطي ، متحديا طبقات الصفير التي لا يقدر مقياس لحسابها.
و قد تعلمت بفضل نواياى السيئة، ان العيب لا يكمن في الأجهزة و التي تسمى بالساوند، و لا سماعات ( الجى بى أل) المضادة للنشاز، فهى فى أيدي كل شعوب الأرض الكرام البررة، منضبطة، تصدح و تمرح و تغني،و تطرب، حتي
يضع بنى كجة اياديهم الطاهرة عليها، و هاك يا نخيس و بعبصة، شختك بختك، مفاتيح فوق و مفاتيح تحت، ثم أن الصالة تتحول الى ساحة حرب، افجارات، و سواتر، بازوكا و مجموعات، و رود سايد بومب، حتى ينجلي الأمر و نحن فاقدون نصف قدرتنا على السمع، و (زنة) تلازمنا ثلاثة ايام قادمة تسمى ( الصنة) وقيل بعض ( دوشة).
وقد من الله على بكشف عرفت فيه ، ان قلة التدريب و انعدامه اصلا، سبب أساسي في كل هذا العناء الذي ابتلينا به، و أن المعرفة تأتي عندنا بالبركة، و ( الأسبوتينق)، و الشفاهة و الفرجة وانها ( تشرب شرابا) و تحقن في بعض الأحيان، و الا فكيف يستقيم ان تكون كل مناسباتنا منذ ان خلق الله السماعات و الميكرفونات، تلك التي كانت تعلق علي فروع الأشجار و قمم القطاطي، و حتى أحدث موديلات السماعات الرقمية، مناسبات للأنتحار السماعي الجماعي؟؟؟؟
تاج السر حسن الملك .. صديقى منذ الطفولة ..صحفى وتشكيلى وقاص وانسان رائع .. نقلت هذه " التكنلوجيا " من موقعه .. وهى تستحق القراءة


 
 توقيع : عثمان عابدين

الحصاحيصا النبع الحالم الذى كلما بعدت منا قربت الينا فهى فى غرف القلب الاربعة


رد مع اقتباس