عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 04-22-2016, 02:19 PM
ايوب غير متواجد حالياً
لوني المفضل Brown
 رقم العضوية : 7537
 تاريخ التسجيل : Oct 2010
 فترة الأقامة : 4907 يوم
 أخر زيارة : 09-13-2020 (09:25 AM)
 المشاركات : 3,103 [ + ]
 التقييم : 27
 معدل التقييم : ايوب is on a distinguished road
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي من فقدت مؤانسته ثقل ظلمه



ورب مجلس فض فيه ختام النشاط، ونشر بساط الانبساط، وفيه بغيض لا يفيض، بقدح في مزح، قد ثقل ظله، وركد نسيمه، وجمد هواه، وغارت نجومه؛ فاستثقله من حضر، وعاد صفوهم إلى كدر، وأنكرت مجالسته؛ إذ فقدت مؤانسته، ولو كانت له دراية، أو معه رواية، أو عنده حكاية، ما كان كما قال الشاعر:
مشتمل بالبغض لا تنثني ... إليه بغضاً لحظة الرّامق
يظلّ في مجلسنا جالساً ... أثقل من واشٍ على عاشق
ولا كما قال الحمدوني لبعض الثقلاء:
سألتك باللّه إلاّ صدقت ... وعلمي بأنّك لا تصدق
أتبغض نفسك من بغضها ... وإلاّ فأنت إذاً أحمق
وقال أبو علي العتابي: حدثني الحمدوني قال: بعث إلي أحمد بن حرب المهلبي في غداة السماء فيها مغيمة، فأتيته والمائدة مغطاة موضوعة، وقد وافت عجاب المغنية قبلي، فأكلنا جميعاً وجلسنا على شرابنا، فما راعنا إلا داق يقرع الباب. فأتاه الغلام فقال: بالباب فلان. فقال لي: إنه فتى ظريف من آل المهلب؛ فقلت: ما نريد غير ما نحن فيه، فأذن له، فجاء يخطر وقدامي قدح فيه شراب فكسره، وإذا رجل آدم أدلم ضخم، فتكلم فإذا به أعيا الناس، وتخطى وجلس بيني وبين عجاب، فدعوت بدواة وقرطاس وكتبت:
كدّر اللّه عيش من كدّر العيش ...وقد كان سائغاً مستطابا
جاءنا والسماء تؤذن بالغيث ....وقد طابق السماع الشرابا
كسر الكأس وهي كالكوكب الدرّي ....ضمّت من المدام لعابا
قلت لما رميت منه بما أكره .......والدّهر ما أفاد أصابا
عجّل اللّه غارةً لابن حرب ......تدع الدار بعد شهرٍ خرابا
ودفعت لرقعة إلى أحمد، فقرأها وقال: ويحك ! هلا نفست ؟ فقلت: بعد حول ؟ قال: قلت: إنما أردت أن أقول بعد يوم، ولكن خلفت أن تلحقني مضرته. وفطن الثقيل فنهض. فقال لي: آذيته، فقلت: بل هو آذاني.
وهذا لعمري وإن أساء في قدومه وإقدامه، فقد أحسن في نهوضه وقيامه، وقد قال الشاعر:
ولما تخوفت ولا لوم أن ... تدبر من ودّك بالمقبل
أقللت من إتيانكم إنّه ... من خاف أن يثقل لم يثقل
وكان يجالس أبا عبيدة معمر بن المثنى رجل ثقيل اسمه زنباع، فكان كالشجا المعترض في حلقه يتناكده ويسيء خلقه؛ فلا يتكلم أبو عبيدة بكلمة إلا عارضه بكثرة جهله، وقلة عقله. فقال رجل لأبي عبيدة: مم اشتقت الزنبعة في كلام العرب ؟ فقال: من التثاقل والتباغض، ومنه سمي جليسنا هذا زنباعاً.
وامتحن أبو عبد الرحمن العتبي بمثل ذلك من رجل، فلما طال عليه أنشده:
أما والذي نادى من الطور عبده ... وأنزل فرقاناً وأوحى إلى النّحل
لقد ولدت حوّاء منك بليّةً ... عليّ أقاسيها وثقلاً من الثقل
انحدر خالد بن صفوان مع بلال بن أبي بردة إلى البصرة، فلما اقتربا من البطيحة قال بلال لخالد: أتستثقل عكابة النميري ؟ قال: كدت والله أيها الأمير تصدع قلبي؛ حين دنونا من آجام البطيحة، وعكر البصرة، وغثاء البحر، ذكرت لي رجلاً هو أثقل على قلبي من شارب الأيارج بماء البحر بعقب التخمة، وساعة الحجامة.
وكان عكابة بن غيلة هذا أهوج جاهلاً، ودخل على بلال فرأى ثوراً مجللاً ناحية الدار فقال: ما أفره هذا البغل إلا أن حوافره مشققة.
وترك بعض الظرفاء النبيذ، فتحاماه معاشروه خوفاً أن يكون ما أحدث من الترك دعاه إلى زيادة النسك، وأوجب له الانقباض والإعراض عما كانوا معه فيه يفيضون ويخوضون فقال:
تحاموني لتركي شرب راحٍ ... وقالوا يشرب الماء القراحا
وما انفردوا بها دوني لفضلٍ ... إذا ما كنت أكثرهم مزاحا
وأرقصهم على وترٍ وصنجٍ ... وأظرفهم وألطفهم مراحا
إذا شقّوا الجيوب شققت جيبي ... وإن صاحوا علوتهم صياحا



 توقيع : ايوب



لا تأمن الموت في طرف ولا نفس
*** ولـو تـمنعــت بــالحجـاب والحـــرس
وأعـلـم أن ســهــام المــوت نـافـذة
*** فــي كــل مـــدرع مــنـــا ومـتـــــرس



رد مع اقتباس