عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 11-14-2014, 06:06 PM
د/منصور غير متواجد حالياً
Saudi Arabia     Male
لوني المفضل Blueviolet
 رقم العضوية : 7684
 تاريخ التسجيل : Dec 2010
 فترة الأقامة : 4877 يوم
 أخر زيارة : 06-06-2022 (11:39 AM)
 المشاركات : 1,862 [ + ]
 التقييم : 50
 معدل التقييم : د/منصور will become famous soon enough
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي الشيخوخة(Gerontologie)(aging)



تبيّن لدى دراسة النوع الإنساني أن الملكات بوجه عام تتضاءل مع تقدم السن ولكن ذلك يتفاوت بين الأفراد بتفاوت العمل المزاول والصحة النفسية بل تتلامح وسائل تستطيع الإفادة ما أمكن من بقايا تلك الملكات المتناقصة ويتجلى ذلك خاصة في مجال الذكاء؛ فقد لوحظ إنه كلما كان نصيب المرء منه أوفر كان تنكُّسه مع تقدم السن أقل. وعلى ذلك شواهد في أقصى التاريخ قال سولون أحد الحكماء السبعة في اليونان القديمة: "إني أتقدم في السن ولا أكف عن طلب العلم" وظل سوفوكل يؤلف تراجيدياته حتى أقصى شيخوخته. وقد قاضاه أولاده مرة لأنه لم يقم بواجب الأبوة تجاههم وطلبوا الاستيلاء على ثروته لنقصان عقله فما كان منه إلا أن قرأ آخر مسرحية ألفها أمام القضاة وسألهم هل تدل هذه الكتابة على إنسان فقد رشده؟ وقد أنصفه القضاة. وكثير من عظماء اليونان عمروا طويلاً أمثال هوميروس وفيثاغورس وديمقريطس وزينون وأفلاطون وسقراط وديوجين.
وفي تاريخ الحضارة العربية أمثلة ناطقة على كبار السن الذين كان عطاؤهم العلمي في الشيخوخة. لقد عمّر الجاحظ طويلاً ولم ينفك من التأليف والسخرية والضحك على الرغم من مرضه وشلله اللذين كان يصفهما أحياناً. وكتب الشيخ محيي الدين بن عربي كتابه فصوص الحكم في آخر حياته.
وألّف أبو الريحان البيروني كتابه الصيدلة بعد أن تجاوز الثمانين وكان حتى آخر لحظة من حياته يناقش في بعض المسائل المعقدة ويحاول أن يضع لها حلولاً وتروى عنه حكايات تبلغ حد الأسطورة في حبه للعلم وحرصه عليه في غمرات الموت.
وألف المعري معاصره (لزوم ما لا يلزم) في أواخر حياته المديدة ولم يكفّ قط عن التأليف ونظم الشعر.
وكذلك نذكر باستور في العصور الحديثة الذي كان مبدعاً في جميع مراحل حياته وخاصة في آخرها وعندما كان كهلاً ومريضاً إذ أصيب بنزف دماغي جعله مشلولاً أملى نصاً قرئ عنه في الأكاديمية يقول فيه: "ما يزال عندي الكثير لأعمله، عالم كبير كامل يجب أن أكشف عنه".
وكثير من النابغين لم يظهر نبوغهم إلا بعد الأربعين. روائع (غوتي) الشاعر الألماني تمّت بعد أن جاوز الخمسين.
وهنالك النحات الفرنسي رودان، لم يعلُ شأنه إلا بعد الأربعين وقد عاش حتى بلغ 83 عاماً، وكذلك بيكاسو أنجز إنجازات هائلة وهو في سن متقدمة.
ومن الصعب أن نجد فروقاً في طبيعة الأعمال العظيمة التي يبتكرها الشباب والتي ينجزها الشيوخ. حقاً، إن الحضارة الإنسانية حافلة بشهب لامعة لم تعمّر طويلاً أمثال خالد بن الوليد وعبد الله بن المقفع وأبي تمام والسهروردي المقتول ورافائيل وباسكال وموزار وآخرين سواهم ولكنهم هم الاستثناء إننا نعجب بالشباب اللامع المظفر ولكن الآخرين أكثر أهمية وأوسع تجربة وأجزل إنتاجاً. وفي بعض الأحيان يعيش الأشخاص العظام على ذكر نجاحهم عندما كانوا شباباً ولكن في معظم الأحيان يكون ثمة استمرار وتعميق للنجاح يستمر مدى العمر. إذ لا يكفّ الأشخاص العظام عن الاهتمام بالحياة رغم تقدم السن وتظل طاقاتهم الخلاقة مبدعة بنضج وكل من استطاع أن يتماسك في إخلاصه لعمله أنجز شيئاً عظيماً.
قال يونغ وهو قد عاش أمداً طويلاً: "معظم الإنجازات العظيمة جاءت من أشخاص عاشوا طويلاً وكان لهم شيخوخة مليئة وغنية".



 توقيع : د/منصور


رد مع اقتباس