عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 05-30-2009, 03:23 PM
ود العمده
ازهرى محمد على غير متواجد حالياً
لوني المفضل Blue
 رقم العضوية : 2141
 تاريخ التسجيل : Oct 2008
 فترة الأقامة : 5661 يوم
 أخر زيارة : 02-14-2016 (09:33 AM)
 الإقامة : السودان
 المشاركات : 281 [ + ]
 التقييم : 10
 معدل التقييم : ازهرى محمد على is on a distinguished road
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي ذاكرة المكان ،، ذاكرة ثانية _ بردب بردب



تحرك البص ادركته بآخر نفس كان لزاماً عليك أن تستيقظ صباح الطير وهو يمارس عملية الإحماء من على اغصانه مع هبة نسمة الصباح،، شجرة النيم الوهيطة التى تتوسط المنزل تغيك اثناء النهار عن ظل سواها فى الشتاء تغير جلدها ولونها وتساقط اوراقها فى عملية إستمرار الحياة وإكمال دورتها تبدو عملية التجديد مربكة بعض الشئ لمجموعة عزابة تتراجع النظافة فى جدول اولوياتهم إلى اسفل القائمة .
أيقظتك جوجوة العصافير قبل إنطلاقها إلى فضاءات الرزق وترتيب قوت اليوم وفق ماتحدده بوصلة الإتجاهات فى حركة الرياح ، أنت تركض إلى جهة معلومة يحدد بدايتها بورى حسين صباحى قد يزعفك الوقت لتناول الشاى باللقيمات والدعوات عند الحاجة نسيم وقد لايتثنى لك ذلك ،، الوقت وزاجية حسين صباحى هى التى تمنحك أو تمنعك ، الوجوه فى الباص كالوجوه فى السوق وبيوت العزابة متباينة السحنات والأمزجة ، العبوس والطلاقة يحددهما مؤثرات الكيف والجيب والحالة كلها من بعض ، توكلت على الله وفى الخاطر (لو توكلتم على الله خير توكله لرزقكم كما يرزق الطير ) . تروح خماصاً وتأتى بطان ، راحت طيورك وهى تغادر شجرة النيم وها أنت تتوكل على الحى الذى لايموت ، الى حيث كنت تظن أنها أيام أو ربما شهور وتغادر كعادتك فى الحل والترحال وتكيفك المضنى مع الأماكن وبحثك عن الفكاك والحرية المطلقة التى يحرضك عليها دوماً ذلك الشاعر المطلوق القابع فى داخلك طويل اللسان وقليل الحيلة اذن هذا هو اليوم الأول لبداية حياه عملية ، ما كنت تحسب أنها تمتد لربع قرن من الزمان يمضى مع نصف العمر ونصف الحلم حتى صارت هذه الهناك هنا ، هنا المدينة الفاضلة التى عشقتها وعشقت إنسانها ، لم يمنحك أحداً بعينه هذه المحبة منحك لها الجميع (والماعندو محبة ماعندو الحبة) الكل هنا المكان وما يسع من أناس وأرواح وأفعال وحركة وسكون .
فى أيامك الأولى كان عزيز عليك أن توفر قيمة جهاز تسجيل صغير كان يشغل حيز من أحلامك الكبيرة إستطعت ذلك بعد كد وضنك ، الصرفة الثانية من الصندوق مكنتك من ذلك فالراتب لا يفى لتحقيق الأحلام الكبيرة كيف يفى وقد دخلت قائمة أدبياتك قيم روحية ذات قيمة مادية أيضاً تتمثل بإحساسك بجوع الاخرين بالإضافة إلى تكاليف الإيجار والفطور وإلتزامات الحاجة أم بتو ، اصبحت الان تملك حاسة التمييز بين باسطة ودحميد وما عداها ، والحليب البارد فى دكان عثمان بعد الخروج من السينما ، كان جهاز التسجيل يشكل لك حلماً بالإضافة الى النظارة البيرسن ولاساعة سيكو5 أول من تسلل إلى المسجل كان هو الفنان محمد جبارة كان وقتها عالى الحضور مع محمد كرم الله وأغنية الطيف ، كان محمد جبارة يصحبنى والمسجل إلى الضفة الاخرى من النيل الأزرق قبل المغرب وبعده بقليل ...
وآ مغستى رحل تلوت الليل
مسالكى ضلمة مابتنشق
ولم مشيت ضلام الليل مشى إتفرق
بكيت وبكيت طريف العين متمسح والبدموع رقرق
اوادع الناس أفوت مجبور
يجينى نغيم من الطنبور
أشوف لى جنى وقف صفق
يطير لافوق يطير يندق أطير وأندق .
كانت لا تفارقنى هذه الغنية للرائع السر عثمان الطيب الشاعر الجميل ، دارت دوره الأيام وأصبحنا اصدقاء أنا والسرعثمان الطيب ، أخبرته بأثر تلك الأغنية على فى ذلك الوقت وقبل أن أسمع ماقاله عنها الأستاذ محمود محمد طه : أن فى هذه الأغنية مقام سجدة ، كانت المفاجأه ما اخبرنى به السر عثمان الطيب أنه فى ذلك الوقت وفى نفس التاريخ كان معلماً للغة الفرنسية فى مدرسة الحصاحيصا الثانوية وكان يسكن الحى الأوسط على بعد خطوات منى دون أن يعرف أحدنا الأخر ، وهذا هو السر عثمان الطيب ظل دائماً ناكراً لذاته حاضر دون ضجيج زاهداً فى كل شئ ،، أنت توقظ كل هذه التفاصيل والشخوص والمواقف فى حى بردب بردب الذى ظل يتسع مع سعة المعرفة بالمكان ويشمل عندك الحى الأوسط بأكمله وشيئاً فشيئاً أصبح هو الحصاحيصا التى أصبحتها فيما بعد ، خطوات تبعدك عن السر عثمان الطيب وتنتظر عقود من الزمان لتعرف ذلك ، مرمى نظرة أو خاطرة أو طرفة تفصلك عن عم الريح ذلك الرجل الذى لم أسأل عن اسمه كامل بل لم أحتاج أن أسأل ، هو هكذا عم الريح بلا هوامش أو مقدمات رجل فى بساطته وزهده وورعه وتسليمه بأمر الله يحمل قلب نبى ،، منح جزء من منزله لمجموعة من العزابة وصار اباً لهم أنسته المحبة فى كثير من الأوقات ماعليهم من إلتزام الإيجار ظل ينفق ما زاد عن حاجته عليهم دون ان يشعر بذلك أخذ الموت عنه أبناؤه الواحد تلو الواحد وصبر وإحتسب بمقولته:( أجعل الله همك يكفيك مايهمك) عمل فى سنواته الاخير حارساً لمصنع الصداقة وتوطدت علاقتى به ، كنا نتناول إفطارنا بمبانى الطرق الواقعة شرق المصنع عند العم إبراهيم هجو ، ذات صباح وأنا اعبر البوابة إستوقفنى بعد رد التحية وسألنى إن كنت أملك أن امنحه حق الفطور قلت له يلا ياعم الريح نفطر معاً أكلنا حتى شبعنا وآنسته والله ياعم الريح أنا كان معى جنيه فقط وخفت الا يكفينا الأثنين ولكنى توكلت ، قال لى حكمته التى كلما ذكرتها شهر حضوره البهى المضئ فى وجهى وقلبى ، الحكاية يا إبنى ليست فى الكتره الحكاية فى البركة أسأل الله دائما ان يبارك لك ، وخذ عنى هذه الحكمة عاين للضلن النعجة بتلد واحد أو اتنين فى السنة يضبحوه ويصدروه ويموت حتى أصبح مضرب مثل (موت الضان) ومع ذلك الضان مرحات مرحات دى البركة ، وعاين للكلاب الكلبة تلد سبعة وثمانية ومابضبحوه ولا ببيعوه ولابصدروه وكذلك هو مضرب مثل (روحو روح كلب) الكلاب مشت وين غير ربنا نزع منها البركة،، لك الله ياعم الريح تعلمت منك ما لم تعلمنا له كتب العلم عن التوازن البيئى ،،انت هنا وهناك حى تنشد مع عبدالغنى النابلسى
مالقوم سوى قوم عرفوك وغيرهم همج همج
دخلو فقراء على الدنيا وكما دخلو خرجو
أنت حياً وميتاً تبين أن هذا الهامش الإجتماعى هو مركز حركة الحياة ونقطة إلتقاء اسباب الارض بالسماء .

عذراً سيدة بت بخيت أحداث هنا إستفزت الذاكرة أجلت بوحى عنك إلى القادم من ذاكرة المكان





آخر تعديل ازهرى محمد على يوم 06-13-2009 في 09:43 PM.
رد مع اقتباس