عرض مشاركة واحدة
قديم 04-10-2010, 11:31 PM   #24
عضو موقوف


الصورة الرمزية ابوسفيان ابراهيم احمد
ابوسفيان ابراهيم احمد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1938
 تاريخ التسجيل :  Jul 2008
 أخر زيارة : 07-09-2010 (05:57 PM)
 المشاركات : 4,041 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Brown
افتراضي



قطار الغرب


عفواً عفواً يا أجدادي شعراء الشعب
يا من نظموا عقد الكلمات بشكّة سهم
أنا أعلم أن الشعر يواتيكم عفو الخاطر،
عفو الخاطر،
وسبقتوني في هذا الفن : وداع الأحبابِ
خضتم أنهار الدمع وراء أحبتكم
باركتم بالدعوات مسار أحبتكم
من أسكلةِ الخرطوم إلى الجبلين ، إلى الرجاف
قاسيتم ، وأنا يا أشياخي قاسيت
كل السودان يقاسي يا شعراء الشعب
فدعوني أسمعكم شجوي :
شجوي أدعوه قطار الغرب

***
اللافتة البيضاء عليها الاسم
باللون الأبيض باللغتين ، عليها الاسم
هذا بلدي والناس لهم ريح طيب
بسماتٌ وتحايا ووداع متلهّب
كل الركاب لهم أحباب
هذا امرأة تبكي
هذا رجل يخفي دمع العينين بأكمام الجلباب :
"سلِّم للأهل ولا تقطع منّا الجواب"
وارتجَّ قطار الغرب ، تمطى في القضبان
ووصايا لاهثة تأتي وإشارات ودخان
وزغاريد فهناك عريس في الركبان

***
ها نحن تركنا عاصمة الاقليم ، دخلنا وادي الصبر
كل الأشياء هنا لا لمعة تعلوها
كل الأشياء لها ألوان القبر
الصبر ، الصبر ، الصبر
والكوخ المائل لا يهوي
والشجر الذاوي ليس يموت
والناس لهم أعمار الحوت
أحياء لان أباً ضاجع أماً
أولدها فأساً يشدخ قلب الأرض
يحتاز كنوز الأرض ويبصقها دمّا
لتظل البورصة حاشدةً والسوق يقام
وقطار الغرب يدمدم في إرزام
تتساقط أغشية الصبر المترهل حين يجئ
ألوان الجِدة في وديان الصبر تضئ
والريح الناشط في القيعان يمر
يا ويل الألوية الرخوة
يا ويل الصبر.

***
ساعات الأكل تعارفنا
الصمت الجاثم في الحجرات انزاح
وتبادلنا تسآل فضوليين
تحدثنا في ساس يسوس
وتحذلقنا عن جهد الإنسان الضائع
فغرسنا كل الأنحاء مزارع
جئنا بالجرارات حرثناها
هذي الأرض الممتدة كالتاريخ
حبلى بالشبع وبالخصب المُخْضَلْ
والناس هنا خيرات الأرض تناديهم ،
لا آذان تصيخ
دعنا منهم – وتدارسنا تحديد النسل
وتجولنا عبر الدرجات
عربات شائخة تتأرجح بالركاب
ومقاصير للنوم بها أغراب
الأولى خشخش فيها الصمت
والرابعة العجفاء بها إعياء
ضاعت تذكرة المرأة ذات محط
ورجال يكتتبون ورجرجة وضجيج
ومآذن في الأفق المدخون تضيع
كوستي وأناس ينصرفون بلا توديع
وأناس يشتجرون على الكنبات

***
ها نحن دخلنا ما بين النهرين
الناس هنا جنس آخر
فقراء وثرثارون ولهجتهم في لين القطن
والباعة ملحاحون وحلافون
ولهم آذان تسمع رنة قرش في المريخ
هذا نوع في كل نواحي القطر تراه
جنس رحال منذ بدايات التاريخ
أرض الذهب البيضاء بهم ضاقت
رغم الخزان المارد والذهب المندوف بهم ضاقت
فانبثوا في كل متاهات السودان
الشيء المفرح أن لهم آذان
وعيوناً تعرف لون اللصِّ الرابض للقطعان
وسواعد حين يجد الجد تصيح

هذي ليست إحدى مدن السودان
من أين لها هذي الألوان
من أين لها هذا الطول التيّاه
لا شك قطار الغرب الشائخ تاه
وسألنا قيل لنا الخرطوم
هذي عاصمة القُطر على ضفات النيل تقوم :
عربات
أضواء
وعمارات
وحياة الناس سباق تحت السوط
هذا يبدو كحياة الناس
خير من نوم الأرياف يحاكي الموت
ما أتعسها هذي الأرياف
ما أتعس رأساً لا تعنيه تباريح الأقدام

***
ونزلنا في الخرطوم بلا استقبال
فتذكرتُ الحشد المتدافع في أحدى السنْدات
برتينتهم وقفوا في وجه الريح
وأطلّ من الشباك فتى القرية
قد عاد أفندياً إبن القرية
وانهالت بالأحضان تهانيهم
أنا لا حضن سوى الشارع
يتلقفني ، يتلقف أجدادي الشعراء
هم في الطرقات وفي المذياع بكاء
خلف المحبوب من الجبلين إلى الرجاف
ما أحلى أياما لا تحمل إلى همّ الحب
ها نحن الآن تشبعنا بهموم الأرض
وتخلخلنا وتعاركنا بقطار الغرب
إني يا أجدادي لست حزينا مهما كان
فلقد أبصرت رؤوس النبت تصارع تحت الترب
حتماً ستطل بنور الخصب ونور الحب
حتماً حتماً يا أجدادي شعراء الشعب.


 

رد مع اقتباس